للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

المرتفع صعداً في السماء ليكون باستعداده أقرب إلى الحق المطلق والخير المحض والجمال الكامل.

وبحسبنا أن يصحبنا في هذا الطريق من تهبهم فطرهم السليمة لبلوغ الغاية منه، وهم بحكم الندرة في الكمال والكرم قلة. ومن السهل القريب أن تصلح القلة لتصلح الكثرة، وأن ترفع الخاصة لترفع العامة. وليس وراء القلة مال يبتغى ولا جاه يرتجى، وإنما سبيل المال والجاه لمن أرادهما، العامة يستميلها بالتهريج، والسياسة يستغلها بالدجل، والحكومة يستدرها بالملق، والعدة إلى ذلك يسيرة المنال: حنجرة صلبة تخطب، ويراعة مداهنة تكتب، ونية فاسدة تملي! ولو أرادت (الرسالة) زهرة الحياة الدنيا لعرضت ضميرها للبيع وقلمها للإيجار. ويومئذ تتحول أكداس الورق في مطبعتها العجيبة من أوراق طبع إلى أوراق نقد!

ولكن الله الذي يحبب في سبيله إلى المجاهد الاستشهاد وليس في مزوده إلا حفنة من سويق أو قبضة من تمر، حبب إلى (الرسالة) الجهاد في الميدان المجدب الموحش ولا عدة لها إلا الصدق والصبر والزهد، لتظفر بنصر المجاهد إذا فاز، أو بأجر الشهيد إذا قتل!

إنما التبعة في خذلان الرسالة والثقافة على الحكومة بوجه أعم، وعلى وزارة المعارف بوجه أخص.

كانت الحكومات الحزبية لا رحمها الله تخاف ولا تختشي، كانت تبذل العون في صور المختلفة للمجلات التي تعارض لتسكت، وللمجلات التي تؤيد لتقول، أما الصحف التي لا نملك لها نفعاً ولا ضراً في سبيل الحكم والغنم، فكانت لا تلتفت إليها إلا كما تلتفت إلى الشعب المسكين: تأمره ليطيع، أو تسخره ليعمل، وما كانت طاعته أو عمله في رأيها إلا واجباً مفروضاً لا شكر عليه ولا أجر له!

ومن عدلها الذي أخجل عدل عمر أنها أرسلت إلى الرسالة مأمور الضرائب الذي ترسله إلى الجرائد العظمى، والمجلات السياسية الكبرى؛ فلما رأى إيرادها ثلاثة أرقام وربحها رقماً أو صفراً، أخذه الدهش، وملكه العجب، وقال بلهجة المستنكر: كيف يكون إيراد المصور وأخبار اليوم وروز اليوسف كذا متعددة، ويكون إيراد الرسالة كذا واحدة؟! لا بد أن يكون السجل ناقصاً والدفاتر مزورة! ورفض المأمور الذكي الدقيق الوثائق وعمد إلى

<<  <  ج:
ص:  >  >>