التقدير الجزاف، فصال وجال، وتخيل ثم خال، وفرض فيما فرض أن في كل عدد من أعداد المجلة خمسين إعلاناً على التقدير الأقل، أجرتها في الأسبوع كذا، وفي السنة كذا؟ فلما نبهته عيناه اللتان في رأسه إلى أن كل عدد لا يزيد ما فيه على إعلانين في الواقع، أمرهما ألا تدخلا فيما لا يعنيهما! ومضى بسلامة الله يكره القواعد الأربع على أن (تعمل له حساباً) كما فكر وقدر، حتى بلغت جملة ما على الرسالة لمصلحة الضرائب:(٢٤٨٥٥) جنيهاً في سبع سنوات! فكم كان الربح إذن! وهالت أرقام هذا التقدير (لجنة التقدير) فخفضتها إلى (١٢٦٠٧) بالتقدير الجزاف أيضاً، ثم حجزت على المطبعة والدار، وأمرتنا بتنفيذ هذا القرار! ولما لجأنا إلى القضاء عوقه محاموها سنتين عن الفصل، وما زالوا يعوقونه بالتأجيل العابث، والمصلحة لا تكترث ولا تهتم ما دامت تطالب وتهدد، والممول يسارع ويسدد!
ثم كانت الحكومة تبعث إلى الرسالة ببعض الفتات من إعلانات الوزارات في حدود الفائض من الصحف المؤيدة، فلما نقصت الموارد وضاقت الميزانية قصوا الأطراف الزوائد من (المصروفات) فكان منها على زعمهم نصيب المجلات الأدبية!
أما التبعة التي على وزارة المعارف خاصة فهي أثقل من أن يحملها ضمير مسئول، كانت هذه الوزارة ولا تزال تعين المدارس الحرة، وتمون المكتبات العامة، وتعول الفرق التمثيلية، وتدير الجامعة الشعبية، وتعنى بألوان الثقافة على الجملة، ولكنها - وا عجباً - لم تدرك إلى اليوم أن المجلة الأدبية الجدية مدرسة متنقلة، وتفعل ما لا تستطيع أن تفعله الوزارة نفسها من إحياء اللغة، وإنهاض الأدب، وتبسيط العلم، وتعميم الثقافة، وتوجيه الرأي، وتأليف القلوب، وتوحيد العرب، والسفارة بين مصر وأقطار العروبة، والتمكين لزعامتها الفكرية في بلاد الشرق فلو أنها أدركت ذلك لأعانت المجلات الأدبية على أداء رسالتها ببعض ما تعين به معاهد التعليم ومسارح لتمثيل ومراكز الثقافة؛ ولكنها - وا أسفا - لم تدرك منذ العام الماضي إلا أن اشتراكها في خمسمائة نسخة لمدارسها مكتباتها من الرسالة والثقافة، هو الذي أثقل كفة المصروفات في ميزانية التعليم فألغته لتعتدل الكفتان! وبهذه القشة المباركة قصمت ظهر البعير!
كانت الرسالة منذ فحش غلاء الورق، وقدحت نفقات الطبع، تكفي نفسها أو تخسر قليلاً،