أمن الممكن حقاً أن تجعل إنساناً يحس بما تحس به؟ باطل محض. الحس عمل متصل لا ينقطع، بعضه يأتي في أعقاب بعض. أجل، ليس من الممكن أن تفرغ نفس إنسان من ماضي إحساسها، وتفرغ نفسك من سالف إحساسها، كي تبتدئا معاً، وتسيرا معاً إلى النهاية. هذا مستحيل. وإذا استحال، فيستحيل معه أيضاً أن تجعل إنسانا يحس بما تحس به. نعم قد يستقيم في بعض الكلام أن تقول لأخيك:(إني أحس بما تحس به) ولكنك تعني عندئذ أنك توجهت بإحساسك إلى شيء كان إحساسه قد توجه إليه. أما لو ظننت أن إحساسك به مثل إحساسه، فهذا باطل. وألفاظ اللغة تضلل من لا يتوقى مجاهلها
كل امرئ منا عالم وحده، لأنه يحس إحساساً واحداً لا يشركه فيه أحد من بني جلدته. وكل امرئ منا هو في أصل طبيعته يعيش في خلوة تامة - في غرفة مغلقة الأبواب. وإذا فسدت عليه هذه الخلوة، فسد إحساسه بالحياة وأحيائها. وإذن، فمن الإثم والعدوان، أن تحتال على أحد، متوهماً أنك قادر على أن تجعل إحساسه بالأشياء كإحساسك. إنك آثم لا محالة. إنك تفسده وتفسد عليه حياته. إنك تعنف به حتى يخرج من خلوة الفطرة من حرية الحس. نعم، بل أنت تتلذذ باستلحاقه في إحساسك، تتلذذ بخضوع سر حريته لسطوتك، تتلذذ بشعاً باستعباده!
باطل الأباطيل أن يحس جماعة من البشر بإحساس واحد. أنه خلط قبيح. أنه إذلال كل فرد لطاغوت مكذوب يقال له الجماعة. كل امرئ منا له حس منفرد، يجرد للإحساس لشيء واحد، هو ما انطوت عليه هذه الحياة الدنيا، كما فطرها فاطر السموات والأرض ومن فيهن. والذي يجمع البشر في هذه الحياة، هو هذه القضية المركبة: حس ينفرد به كل امرئ منهم، يتجرد للإحساس بعالم واحد يتعايشون فيه. العالم الواحد هو الذي يربطهم، لا تطابق إحساسهم تطابقاً تاماً أو غير تام
والإنسان ليس مدنياً بالطبع، كما يزعمون، بل هو مدني بالضرورة. والضرورة هي هذا العالم الواحد الذي نعيش فيه، والذي لا فكاك منه إلا بحسام المنية. هذا العالم الذي يأسرنا، هو وحده الذي يربط بيننا، وهو وحده الذي يؤلف بين هذه الأحياء المحسة به، وكل حي منها منفرد بإحساسه، مستقل به وحده
لا يتطابق حسان بإحساس واحد أبداً، بل يتطابق حسان على الإحساس بشيء واحد ولا