للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

والهندية والنبطية واللاتينية وغيرها. وأقبل الناس على الاطلاع والبحث أيما إقبال. وقد ظلت الحال على ذلك حتى أنه لم يكد ينتهي القرن الرابع حتى كان قد تم نقل أهم كتب القدماء إلى العربية.

ولقد كان أثر هذا النقل الواسع المدى عظيماً بالإضافة إلى اللغة العربية فقد نقل المترجمون مئات الألفاظ الفلسفية والطبية والكيميائية والرياضية وغيرها إلى اللغة العربية، مترجمين بعضها إلى ما يقابله في العربية وناقلين بعضها بلفظه مما جعل من علماء اللغة على أن يخصوه بتأليف خاصة مثل كتاب (المعرب والدخيل) للجواليقي. ومهما يكن من شيء فقد كسبت اللغة العربية مادة غزيرة وفيرة مكنت النحاة والمتكلمين والفلاسفة الإسلاميين من خوض مسائل علومهم المختلفة بلغة مواتية وألفاظ دالة على المعاني التي يريدون التعبير عنها.

وبعد فإنا إذا اعتبرنا ما أداه تعريب الدواوين إلى اللغة العربية في مجال المصطلحات الإدارية المالية، وما أنتجه تدوين الحديث في مجال السنة والفقه، وما أثمره نقل كتب الفلسفة والطب والرياضة والكيمياء في ميدان العلوم العقلية والطبيعية فإنا نجد أن اللغة العربية قد أصبحت في القرن الرابع بحراً خضماً مما اقتضى وضع معاجم تجمع مادتها وتشرح معاني مفرداتها. وهذا كله بفضل ما في هذه اللغة نفسها من قوة وحيوية عجيبة، ثم بفضل السياسة التي انتهجتها الدولة بأزائها على النحو الذي بيناه.

وأخيراً أختم كلمتي فأقول: ما أشبه الليلة بالبارحة، فبعد مضي أكثر من ألف سنة عادت اللغة العربية إلى شبه الحال التي كانت عليها في أزهى عصور الإسلام. لقد عربت دواويننا بعد أن كانت بلغات أجنبية بين تركية وفرنسية وإنجليزية، ثم هاهي ذي حركة نقل قوية عن اللغات الأوربية في مختلف العلوم والفنون والآداب يقوم مجمعنا الموقر على توفير المصطلحات العربية اللازمة لإنجاحها. وكما كانت العربية أداة التفاهم وتبادل الرأي والفكر في الدولة الإسلامية القديمة، فإنها بسبيل أن تصبح كذلك في عالم شرقي حديث يمتد من أقاصي إندونيسيا إلى مراكش. وهو لعمري أوسع وأشمل من العالم الإسلامي القديم. ولكن هذا معناه تزايد العبء الملقى على أبناء العروبة وحماة لغة الضاد، وأخص منهم بالذكر رجال مجمعنا الموقر، أن الآمال المعقودة عليهم في جعل العربية تنهض في

<<  <  ج:
ص:  >  >>