للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

في مقاطعة اللغة اليونانية، لغة الكنيسة البيزنطية التي انفصلوا عنها من الناحية الدينية. وكان أكثر ما يدرس في هذه المدارس الفلسفة اليونانية وخاصة المنطق وما وراء الطبيعة ثم الطب والنجوم والكيمياء. وقد نقلوا كذلك كتباً عدة في الرياضيات وغيرها عن الفارسية والهندية والقبطية والنبطية

واستمرت هذه الحال في العصر الأموي وأخذ المسلمون يتصلون شيئاً فشيئاً بهذا الجو العلمي الذي كان يسود الشرق الأدنى يفضل مدارس الإسكندرية وأنطاكية وقيصرية ونصيبين والرها وجند يسابور حتى رووا أن الأمير خالد بن يزيد بن معاوية درس الكيمياء على راهب إسكندري اسمه ماريانوس وأنه ألف في الكيمياء ثلاث رسائل. فلما كان زمن العباسيين الأوائل ازداد إقبال المسلمين على دراسة هذه العلوم، وكان للخليفة المنصور ولع خاص بالطب والنجوم فترجمت له كتب في هذين العلمين عن السريانية. وكان للبرامكة أثر كذلك في تشجيع النقل عن السريانية والفارسية، فلما جاء المأمون وكان ميالاً بطبعه إلى البحث الفلسفي وآراء المعتزلة كالقول بخلق القرآن وغيره من مسائلهم، فقد سلك مسلكاً جديداً بالمرة، إذ أنشأ في بغداد (بيت الحكمة) للدرس والبحث. والظاهر أنه حذا بيت الحكمة هذا على مثال مدارس السريان التي أشرت إليها، ثم أنه أحب أن تنقل كتب الفلسفة الإغريقية عن اليونانية رأساً دون وساطة لغة أخرى كالسريانية وغيرها.

ويروي ابن النديم في (الفهرست) السبب الذي بعث المأمون على ذلك وهو أن المأمون رأى في منامه أرسطوطاليس وسأله بعض الأسئلة، فلما نهض من نومه طلب ترجمة كتبه، فكتب إلى ملك الروم يسأله الأذن في إنفاذ ما يختار من الكتب القديمة المدخرة ببلد الروم، فأجابه إلى ذلك بعد امتناع، فأخرج المأمون لذلك جماعة منهم الحجاج بن مطر وابن البطريق، وسلم (صاحب بيت الحكمة وغيرهم، فأخذوا مما وجدوا ما اختاروا، فلما حملوه إليه أمرهم بنقله فنقل. ثم أنه جعل يحرض الناس على قراءة تلك الكتب؛ ويرغبهم في تعلمها كما يذكر ابن العبري في كتابه مختصر تاريخ الدول

واقتدى بالمأمون كثير من رجال الدولة وجماعة من أهل الوجاهة والثروة في بغداد، فتقاطر إليها المترجمون من أنحاء جزيرة العراق والشام وفارس وفيهم النساطرة واليعاقبة والصائبة والمجوس والروم والبراهمة يترجمون من اليونانية والفارسية والسريانية

<<  <  ج:
ص:  >  >>