الذي كان يمتد إذ ذاك من حدود الهند والصين إلى سواحل المحيط الأطلسي.
هذا، عن تعريب الدواوين وما ترتب عليه من الآثار. أما تدوين الحديث النبوي فالمعروف أنهم كانوا طوال القرن الأول يكرهون كتابة الحديث حتى لا يكون إلى جانب القرآن الكريم كتاب آخر يشغل المسلمين عن تلاوته وتدبر معانيه؛ بيد أن هذا التحرج لم يمنع نفراً من الصحابة والتابعين أن يكتبوا مجموعات من الأحاديث لأنفسهم خاصة لا بقصد النشر والتداول. فلما ظهرت أحاديث لا يعرفها أعلام الصحابة والتابعين قوى الاتجاه إلى تدوين الأحاديث الصحاح يروي الخطيب البغدادي في كتاب (تقييد العلم) أن ابن شهاب الزهري قال لولا أحاديث تأتينا من قبل المشرق تنكرها ولا تعرفها ما كتبت حديثاً، ولا أذنت في كتابته. فلما ولي الخلافة عمر بن عبد العزيز أمر ابن شهاب الزهري بجمع السنة وكتابتها. وعن إبراهيم بن سعد قال (أمرنا عمر بن عبد العزيز بجمع السنن فكتبناها دفتراً دفتراً فبعث إلى كل أرض له عليها سلطان دفتراً). ثم استفاض تأليف الكتب في الحديث بعد ذلك حتى كانت الكتب السنة المشهورة.
والذي نخصه بالملاحظة من هذه المظاهرة العظيمة أن الأحاديث سواء كانت مروية باللفظ أو بالمعنى، هي في طبقة عالية من البلاغة فأفادت اللغة من تدوينها نموذجاً للعبارة البليغة مكن للفصحى بعد المنزلة التي بلغتها بالقرآن الكريم أي تمكين. وإن حرص المسلمين في كل عصورهم على هذين المصدرين الأقدسين وبالغ عنايتهم بهما أقام الفصحى على أساس راسخ لا يتطرق إليه وهن ما دام في الأرض مسلمون وإسلام.
ثم إن الأحاديث المروية عن الرسول العربي تعتبر المصدر الثاني من مصادر التشريع الإسلامي، ومن ثم وضعت كتب في الحديث مرتبة على أبواب الفقه كموطأ الإمام مالك وصحيح البخاري فكان منها مادة عظيمة غذت لغة الفقه الإسلامي وعلوم الحديث وانبعثت فيها تغييرات ومصطلحات يعرفها من يطلع على الكتب المؤلفة في هذين العلمين الجليلين.
ثم انتقل، إلى الحادث الثالث وهو أمر المأمون بنقل كتب الفلسفة اليونانية إلى العربية، فأقول لما فتح العرب بلاد الشام والعراق مصر وجدوا في أمهات مدنها مدارس للسريان والفرس والقبط تدرس بها العلوم القديمة وخاصة علوم اليونان وكانت هذه العلوم قد نقلت إلى السريانية في الشام والعراق رغبة من النساطرة واليعاقبة في درسها بلغتهم مبالغة منهم