هذه الأيام حول ولاية علماء الدين في الإسلام وتعرض الأزهر الشريف لمحنة سوف يخرج مها إن شاء الله منصوراً مبجلاً من أهله ومن غير أهله.
ولقد قدمنا الحديث بجمل المحمل، ولا نريد أن نتزيد أو نحمل الألفاظ أكثر من معانيها؛ وإنا نقولها صريحة إن (المحمل) ليس من الدين، ولم يكن ثمة (محمل) في عهد رسول الله ولا في عهود الخلفاء الراشدين ولا ملوك الأمويين ولا العباسيين، وإنما ابتدع المحمل في نهاية الدولة الأيوبية، ليكون هو دجالا لشجرة الدر، ثم جرى به العرف والتقليد من ذلك العصر، فكانت قافلة تعبر القاهرة المعزية إلى السويس ثم تجتاز صحراء سيناء، والركب البقاع المقدسة التي ضمت بيت الله الحرام وقبر الرسول الأعظم عليه صلوات الله وقابر الصحابة والتابعين عليهم رضوان من الله أكبر.
فأي جلال هذا الجلال، وأي جمال هذا الجمال!
أبعد قرابة ألف عام يطلع علينا من يزعم أن المحمل (بدعة) في حين أن البدعة على ما فهمها الفقهاء (كل شيء ليس له أصل في الدين) وليس المحمل بمندرج تحت هذه البدعة، وإنما هو مظاهرة دينية فيها فن وفيها جمال، ولقد بصرت بعيني مواكب المحمل ورأيت الألوف من المشاهدين تموج عيونهم بالدمع، وهم يودعون ركب المحمل ويقبلون الكسوة وهي في طريقها إلى الكعبة أو إلى قبر الرسول، لقد رأيت الناس يذرفون الدمع الهتون شوقاً إلى البقاع المقدسة ويعاهدون الله أن يزوروها إذا مد لهم في الأجل، فإذا لم يكن للمحمل إلا هذه الفائدة، لكفاه فخراً، وهل بعد التشويق لزيارة البيت الحرام زيادة لمستزيد؟
وإني لأذكر الساعة أن ركب المحمل منع من السفر من مصر إلى الحجاز أحد عشر عاماً، ثم أذن له بالسفر عام ١٩٣٧ وتواكب الناس لرؤيته من كل فج حتى عمرت القاهرة واكتظت جنباتها، وقيل إن عدد المشاهدين بلغ ألف ألف، وأذاع المسئولون عن النظام يومئذ أنه رغم هذا الجمع الهائل لم تحدث سرقة واحدة ولا حادث مخل بالآداب، أبعد هذا يقال إن المحمل (بدعة) لأنه لم يكن في عهد النبي ولا في عهد الخلفاء الراشدين!
لقد كان المحمل ضرباً من (الفن) قضينا عليه بأيدينا ليعلم غير أهل الآلام - بغير حق - أن الإسلام عدو للفن والتقاليد الصالحة، ولأننا صرنا إلى الحال من الفوضى الدينية لا يرضى عنها عدو ولا نصير، ولسنا نعرف والله ماذا يضير الإسلام في قواعده الخمس