التي لا يأتيها الباطل إذا بقيت التقاليد التي لا تمس الجوهر والتي فيها الجمال الذي أشار إليه القرآن الكريم في قوله تعالى (ولكم فيها جمال).
إن رجال الأديان الأخرى فهموا الدين على حقيقته الطبيعية، فجعلوا منه فناً وتزاويق وموسيقى تغري الناس باعتناقه ونحن في القرن العشرين نريد أن نجعل من الإسلام ديناً تجريدياً لا يفهمه إلا الفلاسفة، وهيهات أن يكون الناس كلهم فلاسفة.
فإذا رخم المؤذن صوته بالآذان وحلاه، قلنا هذه بدعة، وينبغي أن يكون الآذان خالياً من الطلاوة والحلاوة وأن يؤديه صاحبه بجلافة وكأنما يفجر قنبلة أو يلقى حجراً، وكأنما غاب عنا أن لحلاوة الصوت مدخلاً للآذان ومعبراً إلى الإيمان، ولقد سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا موسى الأشعري يرتل القرآن بصوت حنان فأعجبه الصوت الندي وأثنى على صاحبه بقوله (كأنما أوتيت مزماراً من مزامير داود) وهش أبو موسى لهذا الثناء وقال (والله يا رسول الله لو كنت أعلم أنك تستمع إلي لحبرته لك تحبيراً) أي لزاد في حلاوة الصوت وجمال الترتيل.
فهذا خاتم المرسلين قد قدر الفن وشجع أهل الفن وجئنا من بعده ندعو إلى غير ما يدعو، وصرنا نرمي كل ذي رأي بالابتداع أو الوثنية.
ولقد انصرف كثير من الوعاظ عندنا إلى التنفير من كل فن وغاب عنهم أن الإسلام مجد الفنون ودعا إلى الأخذ بها، وإنما نهى عن الشرك بالله، ودعا إلى إقامة دعائم الدين، وليس من الذين أن يقصر كثير م الشيوخ حديثهم حول الوسيلة والشفاعة، والقول بأن الصلاة على النبي بعد الآذان بدعة وقراءة سورة الكهف يوم الجمعة بدعة.
وهنا أقف قليلاً لأرى في صيغة الصلاة على النبي بعد الأذان ضرباً جميلاً من فن النغم، وليس في المر بدعة وإنما هو شيء طبيعي، وليس لدي الساعة مرجع تاريخي يسعفني لأذكر الميقات الحقيقي لدخول هذه الصيغة المحببة على الآذان، وإن كنت أستبعد أنها وقعت في العهد الأيوبي كما ذكر بعض المؤرخين، وإنما أرجح أنها جاءت لعهد عمر بن عبد العزيز الذي استبعد سباب أهل البيت بعد الآذان.
كذلك أبعدنا الإسلام عن كل فن حين قلنا بهدم القبور والانصراف عن زيارة مقابر الأولياء، وزعمنا أن كل أولئك (بدعة) بل هو ضرب من الوثنية، في حين أننا نقرأ في السيرة