النبوية أن النبي صلى الله عليه وسلم حين دفن وحيده إبراهيم سوى عليه بيده الشريفة ورش الماء وأعلم عليه بعلامة وقال (إنها لا تضر ولا تنفع ولكنها تقر عين الحي).
ولما طاف عمر بن الخطاب بالكعبة في أول خلافته استلم الحجر الأسود وقال (اللهم إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله يقبلك ما قبلتك) وورد في بعض المراجع أن ابن عباس شوهد يوماً - وهو في طريقه إلى الحج - راكباً ناقة يدور بها حول شجرة، ولما قيل له في ذلك أجاب بأنه رأى مرة ناقة الرسول عليه السلام تطوف بهذه الشجرة فأراد أن يتبرك بآثار ناقة الرسول.
وفي القرآن الكريم ما يدل على التبرك بآثار الصالحين في قوله تعالى حكاية عن يوسف عليه السلام (اذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه أبي يأت بصيراً)(فلما أن جاء البشير ألقاه على وجهه فارتد بصيرا)
ونمضي في القول بأنه فضلاً عن التبرك بآثار الصالحين فإن في إقامة هذه المقابر ضرباً من الفن، لأن الأضرحة تشيد على أنماط خاصة وزخرفة خاصة تأخذ العين وتستهوي القلب وتدفع النفس إلى التذكرة، والاستشهاد بالحديث الشريف (لا يشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجدي هذا) لا ينفي على الإطلاق زيارة مساجد الأولياء؛ فكما أن المرء يشد رحاله لزيارة صديق أو قريب لا عليه أن يسافر ليصلي الجمعة في مسجد الإمام الحسين أو في مسجد السيد البدوي مثلاً.
ويجرنا هذا الحديث عن الإيمان التجريدي مرة أخرى ذلك الإيمان الذي لا يعرفه حق المعرفة إلا خاصة الخاصة ممن اصطفى الله، ولسنا نطالب عامة الناس بمثل هذا النوع السامي من الإيمان، فالناس يخاطبون على قدر عقولهم، وقد سأل النبي مرة جارية أعجمية (أين الله؟) فأشارت إلى السماء فعدها الرسول الكريم مسلمة.
ولقد كان الخليفة المأمون رجلاً فيلسوفاً يؤمن بالله إيماناً مجرداً، بيد أنه رزي في أخريات أيامه بصحبة القاضي أحمد بن أبي دؤاد فزين له أن يجعل رعاياه كلهم على شاكلته أي من المعتزلة، فأوقعهم في المنازلة الكبرى التي سودت تاريخه ولطختة، ونعني بها محنة خلق القرآن، ومات المأمون، وبلغت المحنة أقصى حدتها في عهد الخليفة المعتصم وكان رجلاً فظاً لا يعرف من الدين إلا أوليائه، ووقع بين براثنه الإمام العظيم أحمد ابن حنبل، وأبى