أن يقول بخلق القرآن، فلطمه على وجهه وأمر به فجلد حتى غشي عليه.
ولما جاء بعده الخليفة الواثق خفت حدة المحنة، حتى إذا تولى (المتوكل على الله) أمر برفع المحنة وقال بالرجوع إلى الكتاب والسنة؛ ولذا ذهب في الناس قولهم (الخلفاء ثلاثة: أبو بكر في حروب الردة، وعمر بن عبد العزيز في رد المظالم، والمتوكل في إحياء السنة).
ولم يكن الخليفة المتوكل في علم سلفه المأمون ولا في فقهه، بيد أنه أدرك من خلائق البشر ما لم يدركه المأمون؛ ذلك أن الدين سجية وفطرة وليس حكرة لأحد من العالمين، وليس لمسلم وصاية على مسلم ما دامت قواعد الإسلام الخمس الأصيلة مرعية الجانب، وليس لإنسان أن يقحم نفسه في دقائق الأمور وتفصيلاتها، ولقد ذهب العهد الذي يرمي فيه المسلم بالإلحاد أو الزيغ لأنه خالف فعل إمام من الأئمة أو تزيد أو ابتدع.
وما دمنا نتحدث عن صلة الإسلام بالفن والحياة، فلا علينا أن نعرج على رجل عظيم الشأن من علماء الدين ما زالت تعاليمه تحدث الفتنة وتجعل المسلمين يخبون فيها ويضيعون، ونعني به شيخ الإسلام ابن تيمية؛ فأكبر الظن أن الرجل كان يبغي خير الأمة، وإن شذ في بعض الأمر حتى بدعه طائفة من علماء عصره من سبعة عشر وجهاً، وحتى اتهمه التقي السبكي بالزيغ من ثلاثة وجوه، نقول أنه كان رجلاً عظيماً لاشك في ذلك، قال ما اعتقد، ولا احسبني غالياً في القول إذا زعمت اليوم أن عظامه تضطرب في قبرها لما أحدثت تعاليمه التي تأولها المتأولون من الفتنة والفرقة؛ إذ قام من بعده الشوكاني وابن القيم الجوزية ولم يكن لهما علمه ولا فضله، فلجأ في الأمر وكفرا جماعة المسلمين، ثم تبع هذين محمد بن عبد الوهاب الذي بالغ في تكفير المسلمين ورفع حد السيف لمحاربة المسلمين بدعوى أنهم (كفار) وأسرف في هدم الأضرحة والقباب في نجد، ثم عدا أتباعه على الأرض المقدسة فهدموا أضرحة الصحابة الأمجاد وأزالوا القباب ذات الأثر الفني الرائع وكادوا يأتون على مسجد الرسول الأكبر لولا صرخة ارتفعت من ضمير العالم الإسلامي.
نستطيع أن نقول إن هؤلاء الناس فهموا الدين فهماً مجرداً لا فن فيه، فهو عندهم مجرد ركوع وسجود، وزكاة وحج وصوم ومعاملات، وأن المسلم عندهم ينبغي له أن يكون أداة صماء تنفذ التعاليم المكتوبة دون تصرف ولا مرونة، ودون مجاراة لروح العصر، ودون أخذ لما يقتضيه علم الاجتماع وطبائع البشر، فإذا لم يفعل المسلم هذا فهو ملحد وأي ملحد!