للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

هذا بعض علمائنا يعلق على بعض الفقرات من كتاب من الكتب القديمة التي تحدثت عن هذا الموضوع فيقول: اشتهرت هذه الكلمة عن أدلة النحو وعلله وهذه كلمة من لم يمارس العلم الجليل ممارسة الباحث المنقب ولم يؤت سعة صدر تسهل عليه احتمال المكاره وركوب الصعاب فإن آتاه الله نفاذ بصر وقوة عارضه وسعة اطلاع وكان مع ذلك عالماً باستعمالات العرب خبيراً بما يكثر في كلامها وما يقل وما يأتي على جهة الندرة والشذوذ؛ إذا اجتمعت هذه الأمور لامرئ أدرك تماماً أن هذه الأدلة التي يذكرها النحاة أدلة مستقيمة على أحسن وجوه البحث).

ومع احترامي لهذا الأستاذ الجليل أكره جد الكره أن يرمي كل إنسان يتكلم بما يخالف آراء بعض العلماء السابقين أن يرمي بالجهل وبعدم نفاذ البصر وسعة الاطلاع وأن يرمي بعدم الصبر. وسأسوق طرفاً مما قاله العلماء في هذا الشأن ليعرف من لم يعرف أن هؤلاء الذين تكلموا في العلل النحوية لم يقولوا عن جهل باستعمالات العرب ولا عن ضيق في آفاق عقولهم.

يقول الأمير أبو محمد عبد الله بن محمد بن سعيد ابن سنان الخفاجي في كتابه سر الفصاحة:

(فأما طريقة التعليل فإن النظر إذا سلط على ما يعلل النحويون به لم يثبت معه إلا الفذ الفرد، بل ولا يثبت شيء البتة؛ ولذلك كان المصيب منهم المحصل من يقول هكذا قالت العرب من غير زيادة، فربما اعتذر المعتذر لهم بأن عللهم إنما ذكروها وأوردوها لتصير صناعة ورياضة ويتدرب بها المتعلم ويقوي بتأملها المبتدئ؛ فأما أن يكون ذلك جارياً على قانون التعليل الصحيح والقياس المستقيم فذلك بعيد لا يكاد يذهب إليه محصل).

ويقول ضياء الدين بن الأثير صاحب كتاب (المثل السائر) ما نصه (فإن قيل لو أخذت أقسام النحو بالتقليد من وضعها لما أقيمت الأدلة عليها وعلم بقضية النظر أن الفاعل يكون مرفوعاً والمفعول منصوباً؟

فالجواب عن ذلك أنا نقول: هذه الأدلة واهية لا تثبت على محك الجدل. فإن هؤلاء الذين تصدوا لأقامتها سمعوا عن واضع اللغة رفع الفاعل ونصب المفعول من غير دليل أبداه لهم فاستخرجوا لذلك أدلة وعللاً. وإلا فمن أين علم هؤلاء أن الحكمة التي دعت الواضع إلى

<<  <  ج:
ص:  >  >>