وكلام ابن الأثير يذكرنا بما كان يقول لنا أشياخنا حين نجادلهم في مدى صحة هذه العلل فيقولون: إن علل النحو كالوردة تشم. . ولا غير، كما تذكرنا بقول ذاك الشاعر الظريف في وصف صاحبته
ترنو بطرف ساحر فاتر ... كأنه حجة نحوي
وقد فصل قاضي القضاة ابن مضاء القرطبي في كتابه (الرد على النحاة) فجهل من العلل مقبولاً ومردوداً قال: ومما يجب أن يسقط من النحو العلل الثواني والثوالث وذلك مثل سؤال السائل عن (زيد) من قولنا قام زيد لم رفع؟ فيقال لأنه فاعل وكل فاعل مرفوع، فيقول ولم رفع الفاعل. .؟ فالصواب أن يقال له: كذا نطقت به العرب ثبت ذلك بالاستقراء من الكلام المتواتر. ولو أجبت السائل عن سؤاله بأن تقول له: للفرق بين الفاعل والمفعول به فلم يقنعه ذلك وقال فلم لم تعكس القضية بنصب الفاعل ورفع المفعول؟ قلنا له: لأن الفاعل قليل لأنه لا يكون للفعل إلا فاعل واحد والمفعولات كثيرة فأعطى الأثقل الذي هو الرفع للفاعل وأعطى الأخف الذي هو النصب للمفعول. لأن الفاعل واحد والمفعولات كثيرة ليقل في كلامهم ما يستثقلون. ويكثر في كلامهم ما يستخفون؛ فلا يزيدنا ذلك علماً بأن الفاعل مرفوع. ولو جهلنا ذلك لم يضرنا جهله إذ قد صح عندنا رفع الفاعل الذي هو مطلوبنا باستقراء المتواتر الذي يوقع العلم)
ثم يمضي ابن مضاء فيقسم العلل إلى ثلاثة أقسام. قسم مقطوع به. وقسم فيه إقناع. وقسم مقطوع بفساده. ويمثل لكل قسم من هذه الأقسام ثم ينهي القول بوجوب إلغاء أكثر العلل النحوية لأنها لا تفيدنا شيئاً في صحة النطق.
حتى الإمام عبد القاهر الجرجاني وهو من علماء النحو المشاهير وكاد يقال له (عبد القاهر النحوي) وله آراء تنقل عنه في كتب النحو وقد ألف في النحو كتاب (المغني) على شرح الإيضاح في ثلاثين مجلداً.
عبد القاهر هذا مع دفاعه الحاز في أول كتابه (دلائل الإعجاز) عن النحو لم يستطع أن يأتي بما يقنع في الإبقاء على العلل النحوية. ويظهر أن الحملة على النحو لعهد عبد القاهر كانت قوية وكانت منتشرة ولذلك نجده يبالغ في الدفاع حتى يجعل التصغير من شأن النحو