الضرب أيضاً ونسامحكم فيه على علم منا بأنكم قد أسأتم الاختيار ومنعتم أنفسكم ما فيه الحظ لكم ومنعتموها الاطلاع على مدارج الحكمة وعلى العلوم الجمة)
ونستطيع من كلام الشيخ عبد القاهر هذا أن نأخذ دليلاً واضحاً قوياً من عالم نحوي عظيم بأن هذين المبحثين مبحث التمارين العملية ومبحث العلل، لا ضرورة لهما لمن يريد أن يعرف القواعد النحوية التي تمكنه أن يأمن الخطأ إذا خاض في التفسير وتعاطى التأويل وإن كنا نزيد على ما قاله الشيخ مباحث أخرى كالاختلافات الكثيرة التي لا تتصل بصحة النطق، التي لا جدوى منها مطلقاً. . .
ولو أننا جردنا النحو من كل هذا الفضول لاستطعنا أن نحصل ما بقي من القواعد الأصلية في زمن وجيز. ولكن المؤسف حقاً أن يقضي الطالب - في الأزهر مثلاً - ثلاثة عشر عاماً يدرس النحو ثم يخرج إلى المدارس أو إلى المعاهد ليعلمه ثم هو بعد كل ذلك لم يحصل منه على طائل ولم يستطع أن يقيم لسانه من الخطأ!
ولقد قال صاحب كتاب (الإرشاد والتعليم) عن السبب في هذه الحال (أن كتب النحو التي يؤخذ منها في عامة البلاد هي من أحط الكتب قدراً وأكثرها حشواً وأقلها فائدة وأن الاشتغال بها قاطع عن علم العربية لا مفض إليه).
وإني أدعو - هنا - كما دعا عدد غير قليل من قبلي إلى طرح هذه الكتب التي ألفت في العصور المتأخرة وإلى تنقية النحو من كل ما سبقت الإشارة إليه. ويجب ألا يثنينا عن ذلك غضبة جماعة ألفوا هذه الكتب ودرسوا النحو على تلك الطرق الملتوية فإنهم لا يقولون إلا كما قال الأخفش للجاحظ، قال الجاحظ (قلت لأبي الحسن الأخفش. أنت أعلم الناس بالنحو فلم لا تجعل كتبك مفهومة كلها؟ وما بالنا نفهم بعضها ولا نفهم أكثرها؟ وما لك تقدم بعض العويص وتؤخر بعض المفهوم؟ قال أنا رجل لم أضع كتبي هذه لله، وليست هي من كتب الدين، ولو وضعتها هذا الوضع الذي تدعوني إليه قلت حاجاتهم إلي فيها. . . وإنما قد كسبت في هذا التدبير إذ كنت إلى التكسب ذهبت).
وما ننكر أن في هؤلاء الذين يعكفون على النحو من خلصت نياتهم وسمت أغراضهم، ولكنهم يمارون ويضنون بما ألقوا؛ فلنكن أكثر إخلاصاً وأشد طلباً لما عند الله. ولنرح المعلمين والمتعلمين من هذا الجدل العقيم الذي لا فائدة منه إلا ضياع الوقت وتصديع