ومستقبلها الاقتصادي متوقف على حسن استثنارها لمائه؛ وكانت تلك الخرافات القديمة التي تحيط بمنابع النيل العليا قد اخذت تغيض شيئاً فشيئاً، وتبدو اهمية الاحاطة بهذه المناطق وإشراف مصر عليها؛ وكانت عندئذ فتوحات مصر في السودان منذ أوائل القرن الماضي، ثم فتوحاتها في بعض المناطق الحبشية، واستيلاؤها على كثير من هذه الانحاء، ووصول الحملات المصرية إلى اعالي النيل الأبيض ومناطق المطيرة وبحر الغزل، ووقوفها على كثير من أسرار النهر العظيم وطريقة جريانه ووصولها إلى منطقة تسانا في الحبشة، وسيطرتها على مجرى النيل الازرق كله. ثم كانت البعوث الاكتشافية التي اخذت مصر بقسط وافر في إعدادها وتنظيمها لاتشاف منابع النيل، والاحاطة التامة بظروفها الجغرافية، فكانت بعوث أمين باشا (ادوارد شنتزر)، والسير سمويل بيكر، والكبتن سبيك وغيرهم في اواخر القرن الماضي؛ واكتشفت منابع النيل الاصلية في قلب افريقية، ورفع القناع الاخير عن الاساطير التي احاطت بها، وعرفت مصر من أين ياتيها كيف يسير اليها الغيث المبارك
ومنذ اوائل هذا القرن تعنى الحكومة المصرية أكبر العناية بأنشاء المشاريع الهندسية الكبرى سواء في مصر او السودن، لضمان انتفاع مصر بأكبر قسط من مياه النسل، وقد انفقت مصر الى اليو في هذا السبيل عشرات الملايين؛ وان آخر هذه المشاريع مشروعا تعلية خزان أسوان، وإنشاء خزان جبل الأولياء على النيل الأبيض. وما زالت ثمت مشاريع اخرى في اعالي النيل الابيض، وفي منطقة بحيرة تسانا يراد أن تحمل مصر على القيام بها
* * *
ولا ريب أن السياسة البريطانية تعمل من جانبها على أن ينتفع السوادن بأكبر قسط من مياه النيل، وأن تجني بريطانيا من وراء ذلك أعظم الثمار الاقتصادية، والسياسة البريطانية ما زالت تحمل مصر على غنفاق الملايين في مشاريع النيل السودانية باسم المصالح المصرية؛ وقد استطاعت بريطانيا العظمى ان تستأثر في العهد الاخير بالسيطرة على السودان، وأن تقضي فيه على كل نفوذ فعلي لمصر، والسياسة البريطانية تعترف بحقوق مصر في مياه النيل، ولكنها لا تتأخر عن الضغط على مصر ن هذه الناحية إذا اقتضت