مصر والحبشة، ومداره ماء النيل والتنويه بخطورته واحتمال حجزه عن مصر؛ ومن ذلك وثيقة طريفة وجهت من ملك الحبشة إلى سلطان مصر سنة ٨٤٧هـ (١٤٤٣م)، وكان نجاشي الحبشة يومئذ (زرع يعقوب) الملقب بقسطنطين، وسلطان مصر هو الظاهر جقمق الذي تولى الملك سنة ٨٤٢هـ؛ ووصلت هذه السفارة الحبشية إلى بلاط مصر في ١٨ رجب سنة ٨٤٧هـ، على يد وقد حبشي يحمل هدية فخمة الى السلطان منها عدة كبيرة من الجواري والى والاسلحة الذهبية؛ ورسالة طويلة من النجاشي الى السلطان، ينوه فيها بما بلغه من حزمه وعدله وحسن سيرته، وبما كان من تسامح أسلافه السلاطين نحو النصارى، ويعتب عليه فيما بلغه من اضطهاد النصارى في ظل حكمه، في حين أن المسلمين في الحبشة، وهم كتلة كبيرة، يلقون كثيراً من ضروب التسامح والرعاية؛ ويشير إلى سيطرة الحبشة على ماء النيل في هذه العبارة:(وليس يخفى عليكم ولا على سلطانكم أن بحر النيل ينجر إليكم من بلادنا، ولنا الاستطاعة على أن تمنع الزيادة التي تروي بلادم من المشي إليم لأن لنا بلاداً نفتح لها أماكن فوقانية ينصرف فيها إلى أمكامن أخر قبل أن يجيء إليكم، ولا يمنعنا عن ذلك إلا تقوى الله تعالى والمشقة على عباد الله) وقد لبثت علائق مصر الاسلامية والحبشة عصوراً تدور حول هاتين النقطتين الخطيرتين: المسألة الدينية أعني معاملة مصر لرعاياها النصارى، ومعاملة الحبشة لرعاياها المسلمين، ومسألة مياه النيل؛ وانت مصر تستعمل المسألة الاولى وسيلة للضمان والتوازن في المسألة الثانية؛ وكذلك مسألة إشرافها على اكنيسة القبطية ومن ثم على تعيين المطران الحبشي؛ ومنذ القرن السابع الهجري نجد سلسلة من السفارات والمراسلات المنظمة تتبادلها مصر والحبشة، ففي عصر الظاهر بيبرس وردت مكاتبات ودية من الحبشة إلى سلطان مصر تنويهاً بحسن العلائق بينهما؛ ووردت على مصر سفراة حبشية في عصر الظاهر برقوق من الملك داود نجاشي الحبشة وهو والد قسطنطين السابق ذكره؛ وأرسل الملك الظاهر جقمق سفارة إلى الحبشة رداً على السفارة المتقدمة ولكن النجاشي استقبل رسل السلطان أسوأ استقبال، لان السلطان رد عليه رداً لم يرقه، ولم يعد بتحقيق مطالبه
* * *
ولم تغفل مصر في العصر الحديث هذه الحقيقة الخلدة، وهي أن حياتها من النيل واليه،