للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الدار

وضمته أمه إلى صدرها النابض فقبلته وقالت: (ستكون سعيداً يا بني؛ إن الحياة لَتبسم في وجهك؛ هذا يوم أشرق صبحه!)

وعاد (الشيخ) من المسجد يدب على عصاه، في لسانه تكبيرُ وتسبيح، وفي قلبه صلاةٌ قائمةٌ ودعاءٌ خاشغ. واستقبلته ابنته بالبشرى: (إنه صبي يا أبتِ! هل ترى أخي؟)

وأدنى الشيخ من جبين الصبي فما يختلج بالشكر! فقبله والدمع يترقرق بين أهدابه، والكلمات تحتبس في لسانه؛ وأطال النظر في وجه الوليد فقال: (لقد أبطأت طويلاً يا بني حتى أدركني الهَرَم، ولكني بك اليوم سعيد! لئن كنت موشكاً أن أمضي إلى الدار الأخرى - إنني لحيٌّ بك في دنياي جيلاً جديداً؛

فَعشْ واسعدْ يا ولدي وابتسم للحياة!) ورفع الشيخ راسه إلى السماء وقال: (اللهم هذا دعائي وأنت أرحم الراحمين!)

* * *

مضى الطفل يعدو وراء الأيام تجاذبه أثوابَ الطفولة؛ فاذا هو غلام يلهو في فناء الدار مع لِداتٍ من الصبيان

وقال له صبيٌّ: (ما هذا معك يا رفيقي؟) فانبسط وجه الغلام، وقاسم الصبيان حلواه ومِليماتِه! وعرف الأطفال أن صاحبهم جواد، فأقبلوا عليه واجتمعوا على وده: وهمس أحدهم فيمن يليه: (إن معه اكثيراً من ذاك!) فتعود الأطفال أم يسرقوه!

ومضى الصبي إلى أبيه يبكي

- (ولدي، ما يبيك؟)

- (أبكي المليمات يا أبي!)

- (غداً أُعطيك غيرها يا بني؛ إن عند الله كثيراً من المليمت للاولاد الصالحين!)

ونظر الغلام إلى فطير في أيدي صحابته فاشتهته نفسه؛ أفيطلب أن يقاسمهم وما تعود؟ ولكن أباه أخذه بألا ينظر إلى ما في أيدي الناس؛ وكم علمه بالحكاية، وكم ضرب له من الأمثال:

أن الحيوان الضعيف هو الذي يعيش على ما في الأيدي؟

<<  <  ج:
ص:  >  >>