فيها يؤدي دور المفاوض والسياسي القديم. ولكن مؤرخاً مصرياً هو ابن أياس يقدم إلينا فيذلك رواية أخرى، فيقول لنا إن الذي قام بمفاوضة تيمورلنك في تسليم دمشق هو القاضي تقي الدين بن مفلح الحنبلي، وإنه هو الذي أدلي من السور وأختاره الزعماء لتلك المهمة، لأنه كان يعرف التركية ولأنه هو الذي سعى في تسليم المدينة وأقتاد وفد القضاة إلى الفاتح وأستصدر منه الأمان وتولى تنفيذ جميع رغائبهفي جمع المال والأسلاب. ولكن ابن خلدون صريح في روايته في إنه هو المفاوض والوسيط في عقد المهادنة بين الفاتح وأهل دمشق كما قدمنا وأنه كان ممثل الرؤساء والقضاة لدى تيمورلنك ولا شك في روايته. وهي من جهة أخرى رواية ابن عربشاه الدمشقي مؤرخ تيمورلنك الذي كتب تاريخه قريباً من هذه الحوادث فهو يصف لقاء ابن خلدون للفاتح تحت أسوار دمشق على رأس العلماء والقضاة ويصور لنا قي عبارة شعرية ساحرة منظر هذا اللقاء وما تخلله من أحاديث ومناقشات. على إن صحة هذه الرواية لا تمنع من جهة أخرى أن يكون آب مفلح قد أشترك في المفاوضة وتولى تنفيذ شروط التسليم.
ولعل ابن خلدون كان يعلق على صلته بالفاتح آمالاً أخرى غير ما وفق إليه في شأن دمشق وشأن زملائه العلماء والقضاة، ولعله كان يرجو الانتظام في بطانة الفاتح والحظوة لديه والتقلب في ظل رعايته ونعمائه. على أنه لم يوفق بلا ريب إلى تحقيق مثل هذه الأمنية فلم تمضِ أسابيع قلائل حتى سأم البقاء في دمشق وذهب إلى تيمورلنك يستأذنه في العود إلى مصر. فإذن له وطلب إليه في تلك المقابلة أن يقدم إليه بغلة إذا استطاع فأهداه المؤرخ إياها وبعث إليه تيمور ثمنها فيما بعد عقب وصوله إلى مصر. وغادر المؤرخ دمشق في شهر رجب (سنة ٨٠٣) لنحو شهرين فقط من مقدمه إليها ودهمه اللصوص أثناء الطريق فسلبوه ماله ومتاعه ولكنه وصل سالماً إلى القاهرة في أوائل شعبان سنة ثلاث وثمانمائة.
وهنا يهتف المؤرخ مغتبطاً بنجاته (وحمدت الله على الخلاص) ويقول لنا أنه كتب إلى سلطان المغرب مولاه السابق يصف هذه الحوادث وما دار بينه وبين تيمورلنك ويصف له الفاتح وعظم بأسه وشاسع ملكه وروعة سلطانه.
(٣)
وما كاد ابن خلدون يستقر في القاهرة حتى أخذ يسعى للعود إلى منصب القضاء. وقد رأينا