من حب صاحبها إلا غلبتْ، ولا تستمكن من زمامه إلا رَكبتْ. . .؟
* * *
باللمسكين! لقد كان بريئاً طاهراً كالطفل، وادعاً مستكيناً كالحمل؛ يحسب الناس كل الناس في مثل براءته وطهره، فما ينشد فيهم إلا المثل الأعلى الذي يراه في نفسه! وأين المثلث الاعلى من هذا الناس؟ أين هؤلاء الذين يرى، من أناسي خياله؟ وأين هذا الوجود من عالم قلبه؟
لقد منحهم حبه فهل لفقي عندهم إلا الغدر؛ واصفاهم وده فهل رأى إلا الاثرة؛ ومحضهم إخلاصه فهل عرف إلا الخديعة والمكر؛ وألان لهم جانبه فهل وجد إلا الكبرياء وصعر الخد. . .؟
وأيقن (الرجلُ الصغير) انه لم يكن في هذا العالم غير طَفلٍ كبير!
وعرف أخيراً أين أحلامه من اليقظة، وأين أمانيه من الحقيقة، وأين المثلُ العليا التي جد ينشدها منذ كان صبياً فلم يجدها إلا في نفسه. . .!
وراودته نفسه أن يكون بعض هذا الناس لعله يلقي بعض أسباب السعداة، فَرن الصدى في مسمعيه يرجع قول أبيه:(ستكون أميراً يا بني، فأحب الناس، وهَبْ نفسك للجماعة؛ إن السعيد من يعطي لا من يطلب العطاء!)
وثابت إليه نفسه، ونفذت الطمأنينةُ إلى قلبه فقال:(نعم غنني لأمير، لأنني فوق الناس، لأنني أعطي ولا أستجدي؛ وإنني لسعيد، لأنني أملك الرضى، ولأنني أمل أن أجعل الحياة جميلة!))
وتلفت يمنةَ ويسرة، ونظر إلى الناس تتجاذبهم ضرواتُ الحياة، مستعيناً بالرضى، مستيقناً أنه سيجد المثل الأعلى هناك؛ عند الغاية من هذا الطريق!
وقالت له نفسه: (سِرْ يا رفيقي على هداك حتى تبلغ؛ لستَ من هذا الناس؛ ما أنت في الحياة إلا عابر سبيل. . . .!