للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

* * *

وقال له واحدٌ من قرابته ينصحه: (هلا ادرخت فضل اليوم للغد؟ إن المالَ عَصب الحياة، وجاه الرجولة، ومطيةُ الامل البعيد)

وابتسم (الفيلسوف الصغير) وهو يقول: (المال؟ ما أُحب أن أجعل المال خاتمة المسعى وغاية الجهاد، إن البطن لشبرٌ في شبر، وإن الثوب لذراع في ذراع؛ أفيتسع البطن حتى يبتلع غلات ضيعة، أو تطول القامة حتى ما يكسوها إلا ثوبٌ بألف، أو يتضاعف الجسم حتى ما يرويه إلا بيت في مساحة مدينة؟ أنا هو أنا يا صديقي، غنياً أو فقيراً؛ بطتي هو بطني، وثوبي هو ثوبي، وبيتي هو ما متد من قدمي الى رأسي حين أنام!

أي سخرية! إن الفقير الذي يعوزه القرش ليستطيع أن يقول قالة الغني الذي يملك المليون. وماذا يملك العني مما يملك إلا أن يسرح الطرف فيقول: هذه ضيعتي وهذا قصري. أفلا يستطيع الفقير أن يسرح عينيه معاً فيقول مثله: هذه ضياعي وتلك قصوري؟ يلي يا صاحبي. إن الفني لوهم من أوهام الناس، وإن الفقير المعدم ليرى أنه يملك ما شاء أن يملك من الدنيا ما دام راضي النفس!))

وفتراقا وكلاهما يرثى لصاحبه!

* * *

وقالوا له: (هلا التمستَ لك زوجةً تأوى إليها فتجمع ما تفرق من أمرك؛ لعلك أن تجد عندها راحةَ النفس وهدوء القلب؟)

قال: (حتى ألقاها فأعر فها فيدلني عليها قلبي. ما أريدها غنية، فمالي وغناها وأنا عائلها وكاسبها؟ وما أريدها جميلة، فمالي وللجميلة تتوزعها قلوبُ الناس وعيونهم، وبتوز عني منها الشك والقلق؟ وما أغلو في طلب الفيلسوفة العالمة، فأجمع على نفسي هما بالليل وهما بالنهار! وما أريد أن تقول: (كان أبي ورَحم الله جدي)، فتملأ بيتي بأشباح الموتى وأطياف الهالكين! بحسبي أن أجد الفتاة التي يخفق لها قلبي ويهدأ عندها حنيني.)

وخُيل إليه أنه وجدها بعد إذ أعياه المطاف؛ فوهب لها قلبه، وأخلص لها وده، وكشف لها عن نفسه؛ ونظرت الفتاة في مرآتها، ثم لَوَتْ عنه معجبةً مزهوة!

أتراه وقد نالت منه بقسوة الصد، وصَعرِ الخد، وجفوة الدلال - قد أيقن أن المرأة لاتستوثق

<<  <  ج:
ص:  >  >>