لبعض، إنما هي فيما طبع عليه من الأثرة وشدة الكلف بالنفس. فهذه الاثرة هي التي تدخل عليه الفزع لما فنى من سني العمر، وهذه الأثرة هي التي تدخل عليه السرور بما يستقبل من بقية أيام الحياة، وإن شئت قلت بما يقبل على استهلاكه من بقايا الحياة!
أما أن الأثرة هي التي تدخل عليه الجزع لما يتصرم من أيام العمر، فيدنو به خطى إلى مهواه من القبر، فذلك ما لا يحتاج إلى توجيه ولا إلى تعليل، وأما أن هذه الاثرة نفسها هي التي تدخل عليه السرور بما يُقبل على استهلاكه من بقايا أيام العمر.
فذك بأنه ما يثفنى من حياته يوماً إلا أطمعته أياماً، ولا يَطوي من عمره عاماً إلا بسطت بين يديه أعواماً: فالانسان، على إيمانه بالموت، وجزمه بألا مهرب منه، لا يفتأ يدافع الأجل كلما تقدم خطوة إلى الأجل، وهكذان حتى لو قٌدر في الزمان أن يبسط في عمر إنسان الى ألف عام، لوسوس له تأمسل الاثرة بعدُ بالمزيد!
وعلى هذا فمهما يَطْوِ الانسان من سنه، ومهما يفن من عمره، فان ما خلا يكاد يسقطه من مساحة العمر بما يجد له التأميل كل يوم من بسطة الزمان بين يديه! فيعيش كذلك ما يعيش، وأنما يمتح من بحر لجي ما لمائه من نفاد!
وكذلك القول في تطامن الانسان لمستقبل الايام وإستبشاره، في غالب الأحيانن بمقدمها، وقلة احتفاله لما عسى أن يكون قد جُن له من المكاره في ضمائر الغيوب، فان هذه الأثرة نفسها لتأبى إلا أن تطالعه بألوان التأميل، فلا ينتظر له من واردات الليالي إلا كل مشتهى وكل جميل! بل انها لتدخل عليه أحسن العزاء بما سيلقي من الخير والعافية عما كان قد أصابه من الخيبة فيما سلف من الزمان!
فقد بان لك أن الأثرة في الأنسان هي علة العلل، وهي مصدر ما يُحسب عليه من خطأ في الحساب ومن خطل
* * *
وبعد، فلو قدر أن الله أمكن للمء من طبعه، وهيأ له أن يسوي منه ما شاء على ما يشاء. افتراه يعتمد هذه الخلة فيه، أعني الاثرة، فينتزعها من فطرته انتزاعاً، فلا تعود تخدعه وتختله، ولا تزيغه عن الواقع ولا تضلله؟
لاشك في انه إن فعل سلم تقديره، واستقام له القياس، وأدرك الحقائق على ما هي عليه لا