على ما يشهى أن تكون؛ لأن هذه الأثرة كثيراً ما تلبس المنى بالحقائق الواقعة. وقد تستدرج الانسان إلى المطامع البعيدة بما تهيء له من إجراء القياس، في شأن نفسه، على ما يقع من الأمور النادرة في شئون بعض الناس. وبهذا وبهذا تسيء تقديره، وتفسد حكمه على الاشياء أيما إفساد. وأنت بعدُ خبيرٌ بأن السعادة في هذه الدنيا لا تُرجى بخير من الأصابة، والتهدي إلى جوهلا الحقائق، وسلامة التقدير وصحة التدبير. وتلك الطرق الواضحة، لاشك، لأسعاد الحال، وإدراك المبغى من ميسور الآمال.
ولكن. . . . ولكن إذا قدر هذا في الطبيعة، وتهيأ للانسان ففعل، فعلى أية صورة ترى يتمثل له العيش في الدنيا، و [اي شعور يتلقى آثار هذه الحياة؟
إنك مهما تبحث من أصول هذه الأثرة النغروسة في طبيعة الانسان، فانه، ولابد، يألم إذا دخل عليه ما يعدو إلى الالم. وهو، لابد، يلتذ بما يصيب من المتع، إنه ليستريح إلى العافية، وإنه ليفرح بما يصيب من النعم، وإنه ليحزن إذاطرقته داعياتُ الحزن؛ وتلك أدنى مطالب الحس في الحيوان، بَلْهَ الانسان
فلو قدرنا أن الانسان قد استوى في عيشه إلى الحقائق الواقعة، وأجرى حسابه في جميع أسبابه عليها، فهل تراه يعدل ما يصيب في الدنيا من لذة ومتاع، بما يعاني من شدائد وبُرح وأهوال وأوجاع؟. اللهم لا! على انهما لو تكافآ فاضحى خارج الحساب صفراً، لأمسى التشبث بهذه الحياة من غحدى المعابث!
على أنه الأملث، أملُ المعني المبتلي في العافية، وأمل المعافي إن كان في الدنيا معافي، في صعود الجد، وفي إقبال الزمان بما تتطلع النفوس إليه وتهفوله - هو الذي يرجح كفة الربح ويشهى الينا الحياة، ويغرينا بالحرص عليها أيما إغراء!
وما كانت هه المُنى فينا لتقوى وتستمكن، وتستحفل وتستحصد، لولا هذه الأثرة التي تذلل لأوهامنا عصى الىمال، وتسوي لنا في صورة الممكن ما تظمته الطبيعةُ في سلك المجال!
هذه الاثرةُ التي تغبينا عن كثير من الأشياء، حتى إنها لتغيبنا عن أدنى ما يحيط بنا من الأسباب، با إنها لتغيبنا عن أحق الحق الذي لانستطيع مدافعته ولو بالأوهام، أعني الموتَ الذي لا مهرب منه لهارب ولو تعلق من السحاب، بعلائق وأسباب!. نعم إنها لتغبينا عنه لأننا ما ذكرناه أبداً إلا رأينا منا بعيداً، وقد نون منه على رمية حجر!