للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

طلب بعد العزل أمام الحاجب الكبير، ووجه إليه كثير من التهم، ويقول لنا ابن حجر والسخاوي في هذا الموطن: (وادعوا عليه (أي على ابن خلدون) أموراً كثيرة أكثرها لا حقيقة له، وحصل له من الإهانة مالا مزيد عليه). وهنا اشتدت المعركة بين المؤرخ وخصومه، واستحالت إلى نضال عنيف سريع الأثر، وبقي مظهرها التداول على المنصب، ولكنه أنحصر حينا بين ابن خلدون والبساطي، مما يدل على إن البساطي كان ممثل الحزب الذي يناوئ المؤرخ في هذا الدور من المعركة. والظاهر أن ابن خلدون كان يعتمد في مقاومة خصومه على عوامل وقوى ليست أقل أثراً مما يعتمدون عليه، فإنه لم يمض على ولاية البساطي نحو ثلاثة أشهر حتى عزل في أوائل ذي الحجة، وعين ابن خلدون للمرة الرابعة في ١٦ ذي الحجة، واستمر في المنصب عاماً وشهرين، ثم رجحت كفة خصومه فعزل في السابع من ربيع الأول سنة ست (٨٠٦)، وأعيد البساطي في الشهر نفسه، ثم عزل في شهر رجب سنة سبع، وأعيد ابن خلدون للمرة الخامسة في شعبانسنة سبع، ثم عزل بعد ثلاثة أشهر في ٢٦ ذي القعدة من نفس العام، وأعيد خصمه القديم جمال الدين الأقفهسي فلبث ثلاثة أشهر، ثم عزل وخلفه جمال الدين التنسي لمدة يومين فقط، ثم أعيد البساطي في ربيع الأول سنة ثمان (٨٠٨) وعزل في شعبان من العام ذاته، ثم أعيد ابن خلدون للمرة السادسة فلبث في منصبه بضعة أسابيع فقط وفي السادس والعشرين من رمضان سنة ثمان وثمانمائة (١٦ مارس سنة ١٤٠٦م) توفي المؤرخ والمفكر الكبير، قاضيا للمالكية وقد بلغ الثامنة والسبعين من حياة باهرة حافلة بجليل الحوادث وروائع التفكير والابتكار، ودفن في مقبرة الصوفية خارج باب النصر وهي يومئذ من مقابر العظماء والعلماء.

ويصل ابن خلدون تدوين أخبار هذا النضال العجيب حتى عزله للمرة الخامسة في ذي القعدة سنة سبع أعنى إلى ما قبل وفاته بعدة اشهر فقط.

<<  <  ج:
ص:  >  >>