للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

للكماليين في حرب التحرير التركية وفي العمل على بعث تركيا المحتضرة، ولا نبالغ إذا قلنا إن تركيا الجمهورية مدينة بحياتها للبلاشفة. ولم يبذل البلاشفة هذا العون للكماليين حباً بتركيا، ولكنه كان قطة من برنامجهم في محاربة الاستعمار البريطاني، وقد كان غزو اليونان لتركيا مشروعاً بريطانياً تعاونه بريطانيا وتحميه، وكان عون البلاشفة للكماليين بكل الوسائل المادية والمعنوية منذ قيام الحرب التركية اليونانية حتى عقد معاهدة لوزان فصلاً من فصول الصراع بين البلشفة والاستعمار البريطاني؛ وكان طبيعياأ أن يكون لوحي موسكو ونفوذها أكبر الأثر في توجيه حكومة أنقرة، وأن توثق المصالح المشتركة بين روسيا البلشفية وتركيا الكمالية؛ وأشد ما يبدو وحي موسكو في ناحيتين: سياسة تركيا الخارجية، فهي قطعة لا تتجزأ من برنامج السياسة البلشفية، تردد فيها تركيا خطوات موسكو في كل شيء: في السياسة الشرقية والسياسة الاوربية، وفي مخاصمة عصبة الامم ثم الألتحاق بها (على أثر التحاق روسيا)؛ وروسيا تشد بأزر تركيا في كل مظاهر دولية؛ وتركيا تؤيد روسيا في مواقفها نحو الدول الغربية، وتركيا تعرف أنها مدينة بحياتها لروسيا، وان هذه الحياة تتوقف على ارادة روسيا، فهي لاتستطيع أن تحيد عن برنامج السياسة الروسية؛ وثانياً - في الناحية الثورية، فحكومة أنقرة ما زالت حكومة ثورية على مثل حكومة موسكو، هي تحذو حذوها في تطبيق مباديء الهدم والاباحة الى أبعد الحدود؛ واذا استثنينا الناحية الاقتصادية، أعني تطبيق الفكرة الشيوعية التي يرى الكماليون بحق أن تركيا ليست ميداناً صالحاً لتجربتها، كانت الثورة الكمالية الاجتماعية والدينية صورة من الثورة اليلشفية في هذه الميادين؛ وكما أن النزعة الالحادية تسود الثورة البلشفية، فكذلك الثورة الكمالية تسودها هذه النزعة؛ واذاً فان هذا الألحاد الذي يطبع كل تصرفات الكماليين، وهذه الاباحة التي يغرقون فيها، وهذه الحرب اللادينية المستعمرة التي يشهرونها ترجع في كثير من وجوهها الى غرس أساتذتهم ومدربيهم سدة موسكو؛ على أن الفكرة الثورية والالحادية ليست كل شيء في سياسة الكماليين، فهنالك بواعث أخرى تحفزهم الى هذه البغضاء المتأججة نحو الاسلام.

ذلك أن الكماليين يرون أن الاسلام كان سبباً في كل ما أصاب تركيا القديمة من المحن التي أودت بسلطانها وقوتها، وأن صفتها الاسلامية هي التي أثارت الدول الغربية ضدها خلال

<<  <  ج:
ص:  >  >>