العصور المختلفة وجمعت كلمتها على محاربتها ومقاومتها، وأنها لولا هذه الخصومة التي أثارها الاسلام في نفوس الأمم الغربية لبقيت دولة قوية ولم تبدد قواها في حروب ومعارك خالدة؛ ولهذا يمعن الكماليون في ثورتهم ضد الاسلام ويزعمون أن تركيا تستطيع بذلك أن تنزع تاريخها وماضيها وصفتها الأسيوية، وان تدخل بذلك في عداد الدول الغربية
وقد كان الاسلام حقاً من العوامل التي أثارت أوربا النصرانية وجمعت كلمتها ضد الدولة العثمانية في أحيان كثيرة، ولكنه لم يكن بهذا الاعتبار مسؤلاً عما أصاب الدولة العثمانية من المحن وضروب الانحلال والتفكك بقدر ما تسئل عنه السياسة الغاشمة والأساليب الهمجية المخربة التي سارت عليها هذه الدولة طوال عصور تارخها، وعجز الترك المطبق عن أن يكونوا عاملاً من عوامل الأنشاء في صرح الحضارة الحديثة. هذا، ومن جهة أخرى، فقد لقي الاسلام على يد الدولة العثمانية الذاهبة أعظم نكبة نزلت به في العصر الحديث، ولقيت الحضارة الاسلامية الزاهرة في مصر والأمم العربية مصرعها على يد هذا الغزو الوندلي الذي لبثت الفتوحات التركية سواء في الشرق أو الغرب سوى فورات مخربة تحمل وراءها الويل والدمار أينما حلت؛ وعلى ضوء هذه الحقائق وحدها يجب أن يرجع الكماليون عوامل انحلال تركيا الذاهبة
* * *
ومهما يكن من أمر البواعث التي تحفز الكماليين الى هذه الخصومة المضطرمة نحو الاسلام، فان الاسلام أقوى وأرسخ من أن يتأثر بمثل هذه الفورات العصيبة الطارئة؛ وقد صمد الاسلام وما زال يصمد لخصومة الغرب كله مه ما يحشده الغرب لغزوه من العوامل والوسائل الخطرة. ذلك أن الاسلام قوي بعقائده ومبادئه وخلاله المستنيرة، قوي بتسامح الخالد، قوي بتراثه المجيد. ولن يضير الاسلام أن تسقط من عداده تركيا الكمالية؛ واذا كان الاسلام لم يعتز قط بتركيا يوم كانت دولة قوية شامخة، فكيف يحاول اليوم أن يعتز بهذه البقية الضئيلة من تركيا القديمة؟ على أن هناك حقيقة يجب أن يذكرها الكماليون، وهو أن تركيا عاشت في العصر الاخير على تراث الاسلام؛ وقد كان نفوذ الاسلام المعنوي عاملاً قوياً في بعثها الجديد، وفي تطور السياسة الأوربية نحوها، وإقالتها من الفناء الذي كان مضياً به عليها. أما اليوم فان العالم الاسلامي الذي كان بالأمس يحبو تركيا بعطفه وتأييده