(اضغ إلينا إذن يا سقرا، نحن الذين أنشأناك. لا تفكر في الحياة والأبناء اولاً، وفي العدل آخراً، بل فكر في العدل أولاً، وارج أن تصيب البراءة عند ولاة العالم الأسفل. فان فعلت ما يأمرك به كريتون، فلن تكون أنت ولا من يتعلق بك كائناً من كان، أسعد أو أقدس أو أعدل في هذا الحياة ولا في أية حياة أخرى , فأرحل الآن بريئاً، مجاهداً لا فاعلاً للرذيلة، ضحية الناس لا ضحية القوانين. أما إن صممت أن ترد الشر بالشر والضر بالضر، ناقضاً ما قطعته أمامنا على نفسك من عهود ومواثيق، مسيئاً إلى أولئك الذين ينبغي ألا يمسهم من إساءتك إلا أقلها، أعني نفسك، وأصدقائك، ووطنط، ونحن، فسننقم عليك ما دمت حياً، وستستقبك قوانين العالم الأسفل، وهي إخوتنا، عدواً، لأنها ستعلم أنك لم تدخر وسعاً في هدمنا. اصغ إذن إلينا، لا إلى كريتون)
هذا هو الصوت الذي كا، ي به يهمس في مسنعي، كما تفعل نغمات القيثارة في آذان المتصوف. أقول إن هذا هو الصوت الذي يدوي في أذني، فيمنعني من أن أستمع الى أي صوت سواه وإني لأعلم أن كل ما قد تقوله بعد هذا سيذهب أدراج الرياح، ومع هذا، تكلم إن كان لديك ما تقواه
كريتون - ليس لدي ما أقوله يا سقراط
سقراط - ذرني إذن أتبع ما تةحي به إلى إرادة الله
زكي نجيب محمود
انتهى الحوار الثاني، وسننشر الحوار الثالث ابتداء من العدد الآتي.
التصوف الأسلامي بقلم سليمان النابلس
توطئة
يدبأ الدين في أول أمره عقائد راسخة ومناسك ثابتة لاتسامح في أوامره ولا هوادة في نواهيه. ثم لا تلبث - بعد أن يتطاول الزمن وتمر السنون - أن تلين العريكة وتأخذ المياسرة مكان المعاصرة فيدب الشك الى العقائد الموروثة والسنن المرعية؛ إذ ذاك يبحث الانسان عن عقيدة تسوي ما بين نفسه وبين الكون تسوية مقبولة يرتضيها العقل ويقرها المنطق، وعندئذ تنشأ الصوفية