فتستغرق أعاجيبها كل الحكاية. ثم ظهرت على أثر ذلك أقاصيص الأبطال فغلبت على أذهان القصاص والقراء حتى اليوم، فالبطل ذو السيف لا يعجزه شيء ولا تنقصه موهبة فهو يطير، وله سيف يدرك ويشعر فهو في السلم يقصر ويختفي في أنف البطل أوفمه وفي الحرب يخرج ويقتل العدو على أي مسافة يريدها صاحبه، وللصينيين ولوع بهذا الضرب من القصص حتى في نهضتهم الحديثة، وبجانب أقاصيص الخوارق والأعاجيب تجد سير العظماء والأمراء محكية على نمط تاريخي أوروائي أوهجائي كسيرة (لي كوي) وسيرة (ينغ - ينغ) ولكن في النادر أن تجد في الأدب الصيني حكاية أوسيرة تقوم على الواقع وحده، فالكتاب على الجملة يميلون إلى تزيين الحقيقة بالمبالغة والتزييد فيجرهم ذلك إلى فقد الوحدة أو عدم التوازن أوخطأ المغزى.
أما القصة الطويلة ذات الفصول فلم تظهر إلا في عهد آل سونغ من ٩٦٠ - ١٢٧٩م وهم يسمونها (بنغ هويا) منشؤها في الصين كمنشئها في سائر بلاد الشرق: رجل يسمونه (المحدث) يقص على الناس في مجلس عام حكاية من الحكايات بالأجر، فمن فائدته إذن أن يطيل الحكاية ما استطاع لينتفع من ورائها في جلسات كثيرة، والجزء الذي يحكيه في جلسة من هذه الجلسات يؤلف فصلا من فصول السيرة. وظلت (الينغ هويا) على هذا النمط الأولي حتى جاء (لوبن) ١٣٣٠ - ١٤٠٠ في عهد آل يوان فجعلها فناً، كان يقتبس موضوعاته من التاريخ ولكنه يضيف إليها وقائع وأشخاصاً من عمل الخيال. وكان يصور أبطاله على نحو ما يفعل القصصيون الأوربيون ولكن أفضلها وأجملها قصته المسماة (على شاطئ البحيرة) تقع في مائة فصل وتدور على مخاطرات بطل يدعى (سونغ كيانغ) مع رفاقه المائة والسبعة (وهو شخص تاريخي ورفاقه كانوا ستة وثلاثين ليس غير) وكانوا يحتلون (اليانغ شان) ثم ثاروا على أسرة سونغ الحاكمة فهاجموا مدنها وقاتلوا جيشها ونهبوا مقاطعاتها وأصبحوا حكاماً في هذه الأرض. وهؤلاء العصاة الفتاك كانوا من خيار الناس فألجأهم إلى هذا الموقف عسف الإمبراطور ومن هاواه من الخونة.
ولم يكن هم (لوبن) أن يخلق أشخاصاً ويصف أخلاقاً وإنما كان همه فوق ذلك أن يرمي إلى غرض أخلاقي، وتلك هي الصفة الغالبة على الآداب الصينية، فالكتابة عند كتاب الصين وسيلة إلى الخلق، والشعر عند شعرائها طريق من طرق التربية. والأخلاق عند