للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وترقيقها حتى لا تكون عالة على المخيلة، ولا تكون المخيلة عالة عليها، فأمسى الفيلسوف - كما تمثله الأقدمون - شاهداً ينظؤ الى تآلف الأشياء وانطباق أجزائها، وعلاقة النهاية باللانهاية، الحقيقة بالكمال. وشيلنج يرة أن الفيلسوف لاغني له عن المخيلة، وعن الوحي الذي يستمده من نفسه، وعن الخطرة التي تفيض بها قريحته، وهو في هذه الملاحظات يجمع بين الفيلسوف والفنان برغم اختلاف رسالتهما، ولكنه لا يهمل أداة الملاحظة والتامل اللذين خلقا العالم الفلسفي، ولكنه لا يميل اليهما إلا قليلاً. ولهذا الاعتقاد الذي رسم مذهبه الفلسفي بميسم الفن رأينا أن فلسفة شيلنج جاءت فلسفو هادئة مسألة لا حركة فيها ولا ثورة

إن (فيخت) برغم ما بذل من جهد استنفد وسعه للعمل على ربط فعالية عقل الانسان وأخلاقه بوثاق واحد ومذهب واحد؛ نراه غادر في مذهبه هذه (الثُنائية) التي لم يجدها شيلنج صحيحة، فعاْلم الروحَ الداخلي لا يمكننا أن نشاهده ونطلع على غيبه إلا بوساطة العالم الخرجي عنا؛ كما أن العالم الخارجي لا يُلمس إلا بمعونة عالم روحنا. وهكذا يجد الفيلسوف نفسه أمام مادتين جوهريتين مفترقتين متعاكستين، فأراد شيلنج أن يمحو هذا التنازع بينهما، وهو تنازع لم ينكره فيخت، فتحرى شيلنج في كلا العالمين عن قانون أعلى يصم بينهما، فوجد هذا القانون في الواحد المطلق ' مبدأ ومنهى كل وجود، وملتقى عالم الحقيقة بعالم الكمال، والموفق بين الأضداد. وقد أحل مذهبه هذا محل المذهب العلمي، واعتقد أنه ثد وُفق في إيجاد الأتحاد المنشود، وجع الأجزاء المتفرقة، وتوحيد المعرفة الأنسانية

وفي الحقيقة إذا تعمقنا في حقيقة هذا المذهب الذي جاء به شيلنج رأينا أنه هو ذات المذهب الذي يجعل الله هو كل الكائنات، والواحد المطلق الذي أنشأه وافترضه شيانج هو هذه المادة الأزلية التي لاحظناها وبشر بها (سبينوزا)، هذه المادة التي تحل متفقة في عنصرين متضادين وعالمين مختلفين: عالم الوح وعالم المادة.

والصفة البارزة التي يتسم بها مذهب (شيلنج) هي أنه أنشأ رباطاً محكماً وأوجد وحدة شاملة بين مظاهر الكون المختلفة؛ فالوجود الحقيقي والوجود الروحاني السامي كلها عوالم مشتقة من نبعة الفرة الآلهية، وهناك شيء من الميل الغريب بين أفكارنا والمرئيات، فنحن نحمل في أنفسنا صورة لكل شيء تقع عليه أعيننا، وهذه الصورة قد لا تلوح في الذاكرة سريعاً،

<<  <  ج:
ص:  >  >>