وفي ذات يوم وهو يهيم بالمنزل عثر في الغرفة العيا على كرة من الوق لرفيع، فتحها فاذا بها خطاب رودلف الأخير؛ وكانت صدمة عنيفة. رأى حرف (ر) وعرف من هو؛ ولكنه عاد يقول: ربما كان ذلك تجاذباً روحياً فحسب. لقد كانت محبوبة من كل إنيان
ولكي يسعدها وهي ميتة كان يعيش كما كانت تهوى وتفكر. كان يلبس أحذية لامعة. وربطات رقبة بيضاء، ويضع على شاربه الأصباغ، ويستدين المال بالكمبيالات - وبالجملة كانت تئثر فيه من وراء اللحد
واضطر أن يبيع الأثاث. إلا أنه لم يمس غرفتها بل ظلت كما كانت. وكان يذهب اليها دائماً بعد العشاء، ويضع المنضدة المستديرة بجوار المدفأة وكرسيها بجانبها وكرسيه بالجانب اآخر؛ واحتراماً لها لم يفتح درجها السري الخاص. ولكنه جلس أمامه يوماً وفتحه. وكانت خطابات ليون فيه. فقرأها وأخذ يبكي ويصرخ، ثم وجد رسائل رودولف وصورته أيضاً
ودهش الجميع للانحطاط الذي عراه، وانقطع عن الخروج ورفض أن يعود مرضاه. ولكن بعض المطفلين كان يتسلق سور الحديقة المرتفع ويدهش إذ يرى الرجل في ثياب رثة، وجال سيئة. وفي الأماسي الصيفية كان يصطحب ابته إلى المقبرة، فلا يعودان إلا بعد أن يسدف الليل
وذهب يبيع جواده فقابل رودلف، فدعاه هذا في جرأة ليشرب زجاجة من الجعة بالحانة. وامام الرجل تاه شار في أفكاره. وأمام الوجه الذي أحبته كاد يظن أنه يرى شيئاً منها.
كان ذلك عجباً. وأوشك أن يتمنى أن يكون ذلك الرجل. ولم يصغ لحديثه، ولكنه قال أخيراً:
- (إنني لا أحمل لك حقداً) ووضع رأسه بين يديه، وقال في صوت ضعيف:(لا أحمل لك حقداً). ثم أضاف هذه اللمات الرفيعة وهي المرة الوحيدة التي قال فيها شيئاً غير عادي: