٤ - ومن معتقداتهم الفناء والبقاء. فالفناء سقوط الأوصاف
المذمومة، والبقاء قيام الصفات المحمودة. يقال فني عن
شهواته إذا بقي بنيته وأخلص في عبوديته، ومن فني عن
رغبته بقي بزهادته
وهم يعتقدون كذلك في الغيبة والحضور، فالغيبة هي للقلب عن علم ما يجري من أحوال الخلق الاشتغال لحس بما ورد عليه من النفحات القدسية. أما الحضور فقد يكون حاضراً بالحق، لأنه إذا غاب عن الخلق حضر بالحق، بمعنى أنه يكون كأنه حاضر، وذلك لاستيلاء ذكر الحق على قلبه
ولو أردت أن أعدد هذه المعتقدات لطال بي المطال وكلت مني الأيدي
تطور الصوفية وطرقها الحديثة
كانت الصوفية في أول عهدها ومبتدأ حياتها صبغة من الدين بسيطة، خاصة بجماعة من الرجال المتدينيين نشروها في حلقات صغيرة من الأصدقاء ثم أخذت تدرج وتتعاظم، فكونت طبقة خاصة ذات مدرسة خاصة، بقواعد وأنظمة مقررة يتلقاها المبتدئون ممن سبقوهم في الأيمان بها. ثم ما لبثت أن قويت شوكة الرؤساء وكبار الشيوخ، فأخذوا يسيرون تلامذتهم وأتباعهم حسب مشيئتهم وأهوائهم دون أن يكون لهؤلاء رأي، وما عليهم إلا الطاعة والانقياد. حتى إذا تطاول الزمن ومرت السنون، لم يعد الصوفي الكبير في معزل عن العالم الاجتماعي حوله يعيش عيشة التقشف والزهد، يطلب الوحدة نفوراً من مرأى الناس وظلمهم وتكالبهم على الملذات والصغائر، بل أضحى شيخاً وجيهاً ذا عمة منتظمة وجبة فضفاضة، يظهر في المجتمعات العامة محاطاً بطائفة من مختلف الطبقات من بطانته وأتباعه والمعجبين به
ففي أوائل القرن الثالث عشر ظهرت فرق الدراويش العدوية والقادرية الجيلانية، اللتين أسسهما عدي الحكري وعبد القادر الجيلي، ثم تبع هاتين ظهور الشاذلية والرفاعية والمولوية، فالرفاعية تنسب إلى مؤسسها أبي العباس أحمد الرفاعي المولود في أم عبيدة