إحدى قرى الفرات، وهي تحيا اليوم بفرقتين كبيرتين هما العلوانية والجيباوية، المشهورتين بحفلة (الدوسة) هاتان أشد فرق الدراويش تعصباً وأكثرهم جهلاً وخبالاً
والقادرية الجيلانية يدعون أن عبد القادر الجيلاني هو مؤسس طريقهم، وهم في أورادهم وأذكارهم لا يفعلون كما يفعل الجيباويون من تقطع الأجساد وغرزها بالإبر والأمواس، بل يذكرون الله بتؤدة وهدوء ووضوح
وأما المولوية أو (الدراويش الراقصون) فقد أسسها في العجم الشاعر الفارسي المتصوف الشهير جلال الدين الرومي مؤلف (المثنوي)
على أن المركز اللائق الذي اكتسبته الصوفية في الدين والعطف الذي تفيأت ظلاله، إنما ظهر بتأثير الغزالي الذي مال ميلاً كلياً إلى هذه العقيدة بعد أن درس الآراء والمعتقدات الأخرى. فقد أدخل الغزالي على الشريعة عنصراً جديداً بعث فيها النشاط بعد أن ظلت زمناً طويلاً في ركود من جراء الحروب الكلامية المستعرة بين الفلاسفة والدهريين والمتكلمين. ولم يقف أبو حامد عند هذا بل أدخل في الصوفية الفكرة الأساسية لما (وراء الطبيعة)، وأخذ المسميات والمصطلحات التي عمد إليها ابن سينا والفارابي من تعاليم الأفلاطونية الجديدة وأحلها مكاناً مقيداً في الدين الإسلامي. على أنه وان لم يسلك هذا الطريق إلى النهاية ولم يتقيد بسبل هذا المذهب إلا أنه اتبع التصوف العملي. فهو وإن يكن بحث في الموضوعات والآراء الخيالية النظرية إلا أن علمه وإدراكه قد اضطراه إلى أن ينحو منحى آخر، ذلك أنه جعل العبادة قسماً من الحياة اليومية يمارسها العامة والخاصة على السواء
الصوفية وتقاة المسلمين
إن محور التصوف هو التجرد عن النفس وما ترتبط به من مادة، والانصراف الكلي للحب الإلهي. وغاية ذلك أن يمتزج العنصر الإلهي الروحي في الإنسان مع (العقل الأول) الذي منه نشأ وإليه يرتقي. هذه الفكرة وإن كانت بعيدة عن تقاة المسلمين الأولين الذين أنطبع في نفوسهم خوف الله والرهبة منه لكنها ليست غريبةً بتمامها عن العقل الإسلامي
ولقد لاقت الصوفية كما لاقى غيرها من المذاهب والآراء الجديدة مقاومة كبيرة فيها عنف وفيها شدة من بعض تقاة المسلمين. وغالى بعضهم في نقمته فنعت الصوفيين بأنهم قوم