إن تعاليم الصوفية قد لاءمت العقلية الفارسية أكثر مما لاءمت العقلية العربية. ولم يكن تأثيرها في الحياة العربية والأدب العربي خاصة مضارعاً ما كان لها من أثر بين في الأدب الفارسي منذ أوائل القرن الحادي عشر حتى يومنا هذا
والواقع أن الكثرة المطلقة من شعراء الفرس المجيدين قد انصهروا في بودقة هذه التعاليم فامتزجت بتفكيرهم وخيالهم، وظهر هذا جلياً واضحاً في الاستعارات والمسميات الصوفية التي كانوا يطرزون بها أشعارهم. على حين لم يكن بين شعراء العرب المجلين من وقف وقفة ولو بسيطة عند هذه التعاليم إذا استثنينا الشاعر المبدع شرف الدين عمر بن الفارض العربي المولد والشعر مادة وروحاً. وللعرب في تاريخ الصوفية الأدبي فارس آخر هو محي الدين بن العربي الأندلسي المولد في القرن الثاني عشر الذي ألقى عصا الترحال في دمشق الفيحاء، بعد أن زار في رحلته مصر والحجاز وبغداد والموصل وآسيا الصغرى، وله مؤلفات تربو على المئتين والخمسين عدا، وأشهرها الفتوحات المكية وفصوص الحكم وبهما يعتبره البعض أعظم صوفي الإسلام
هذه صفحة موجزة في تاريخ الصوفية ونشأتها أود أن اختمها بالثناء العاطر على الأستاذ العلامة نكلسون لما بذل من مجهود في تنقيبه على أسس هذه الطريقة ومعالمها، فأضاء لنا صفحة مشرقة في تاريخ هذا المبحث الخطير الشأن. وعسى أن يقوم من بين علماء العربية من يتطوع للكتابة في هذا الأمر الجليل، فالمجال ما زال واسعاً والفائدة جزيلة عامة إن شاء الله