ثم ينتقل إلى المدح، وكأنه يذكر الممدوح بغربته وفراقه وأنه إنما تحمل ذلك من أجله هو، وفي ذل ما فيه من تكثير لمورد رزقه وإغداق النعمى والهدايا عليه، واستمع إليه يخاطب أهل مصر:
إن عينا منكمو قد ظميت ... قد سقاها الدمع حتى رويت
آه من وجد جديد لم يزل ... وعظام يا حلات بليت؛
ساكني الفسطاط لو أبصرتكم ... جليت مرآة عين صديت
إن أعاد الله شملي بكمو ... سعدت آمال نفس شقيت
إن أرضا أنتمو سكانها ... غنيت عن أن تقولوا: سعيت
فوجوه كرياض أزهرت ... ورياض كوجوه جليت
بأبي منكم غزال، مهجتي ... بظبا ألحاظه قد غزيت
بلغيه يا نسيم الريح عن ... مهجة المشتاق ماذا لقيت
ثم يقول:
إنما مدحة عيسى جنة ... عندها أوطاننا قد نسيت
فكأنه يقول له اذكر أني مفارق لوطني فكيف أنساه إلا إذا لقيت منك ما يغنيني عن ذكره، ونحن لا نشك في أنه لاقى من الأشرف كل إعزاز وإكبار. وكان الأشرف يعتقد في شاعريته ويثق بها، فكثيراً ما كلفه نظم الشعر على البديهة في أي موضوع يراه، وكثيراً ما قام مقامه في تدبيج الرسائل بالشعر على لسانه، ولقد كانت تلك المنزلة الرفيعة التي نالها مدعاة إلى أن يقول:
أنت قربتني فأغليت قدري ... أنت خولتني فأغنيت فقري
فيجد من يشا ويبخل من شا ... فحرام عليه ذمي وشكري
بل كان جمع ديوانه قياماً منه بواجب الشكران وتسجيلاً لليد التي أسداها إليه - كما حدثك هو في صدر الديوان
- ٤ -
نستطيع أن نقول إن شعر ابن النبيه يعطينا صورة واضحة لعصره، يحدثك عن طابعه وعن أهم ما ضمه من الأحداث، وإذا أنت ذهبت تنقب عن ذلك رأيت أن أهم ما يميز