للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وفجأة تبينت أن ذلك ما كانت تخشاه دائماً منذ أيام صباها. وكذلك كانت تخشى وقوع هذا الأمر. ولما كانت هذه الأفكار المحزنة هي رفيقتها الوحيدة في تسيارها، فقد نسيت بتاتاً اتباع علائم الطريق أو تتبع الأثر، حتى أصبحت لا تعرف المكان الذي وجدت به، ورأت أمامها شجرة من البلوط خيل إليها أن لها بها سابق معرفة، ولكن شجرة البلوط تلك كانت في أعماق الغابة، ولا يمكن أن تكون قد قطعت في تجوالها كل هذه المسافة. وأنصتت إلى أصوات البقر أو صوت نداء راعيها. ولكنها لم تسمع إلا سقسقة العصافير

وجلست على صخرة ووضعت يدها فوق عينيها. ولكن ذلك لم يفدها شيئاً، إذ أن قلبها كان ينبض بشدة، وانتابتها أفكار شاردة أفزعتها. فقد سمعت من قبل عن أناس ذاقوا الأمرين في هذه الغابة، وضلوا الطريق فيها أياماً وأسابيع، وقد وجد أحدهم ميتاً

ولم تطق القروية صبراً على الجلوس هادئة حتى تتبين معالم الطريق، فقامت لساعتها تضرب في الغابة من جديد دون أن تفكر بعد هذا في البحث عن الأبقار بل أتجه تفكيرها إلى البحث عن الطريق المؤدية إلى دارها

وبعد أن سارت طويلاً دون أن تدرك أين هي، انبثق النور فجأة وتفتقت أمامها الأشياء وتجلت، إذ أخذت الغابة نهايتها، وبينت قبالتها (دواراً) فخماً لأحد الريفيين

وما كادت تلمحه حتى وقفت مبهوتة. إذ هي تعرف عن يقين أنه لا يوجد في هذه المنطقة دوار آخر غير الذي تملكه. وما رأته ألان لن يكون إلا سراباً وصورة كاذبة.

هذا أسوأ شيء رأته، فقد سحر عفريت الجبل أعينها. ولم تبحث عن دوار الجن ولم تجسر على النظر إليه، ولكن أعينها امتدت دون أرادتها إلى ذلك البناء الذي لم تر قط أبدع منه. لقد كانت الدار حقاً قديمة ولكنها مدعمة متينة. وكانت المخازن والأهراء عديدة فسيحة إلى حد أنها تكفي قرية بأملها

قالت لنفسها: (أنه مع ذلك لا شيء هنالك يخالف ما عندي، اللهم إلا أن هذا أجمل وأعظم أضعافاُ مضاعفة. نعم، إن عفريت الجبل لا يهمه الثمن. وقد يخيل إلي أن هذه الدار مشيدة من أشجار البلوط. إذا لم أكن قد سحرت وكانت عيناي تتبينان الأشياء على حقيقتها، فلن يبقى من كل هذه العظمة غير كومة من النمل)

ثم رجعت ثانية إلى الغابة، وكانت تتسلق هضاباً صعبة المرتقى وتنزل غيرها وعرة

<<  <  ج:
ص:  >  >>