فأين هذا من منازعات الأحزاب على الحكم في الدولة الراقية في القرن العشرين؟ وأين ديمقراطية أوربة ودعواها الخلاص من الحكم الفردي من ديمقراطية المسلمين الأولين؟
أما إن استبداد لويس الرابع عشر، هو استبداد روبسبير، وهو هو استبداد هلتر، لم تنج أوربة من الاستبداد في الحكم يوماً واحداً، ولم يحقق النظام البرلماني شيئاً من أمانيها الديمقراطية ومبادئها البراقة التي تخدع بها الأطفال الكبار من الشرقيين
أما نظام الحكم في الإسلام، فهو النظام الديمقراطي الصحيح، الذي لا يجعل من أمير المؤمنين أكثر من منفذ للقانون الإلهي الثابت الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. وهو أبعد شيء عن النظام الملكي الوراثي. وكان المسلمون الأولون يفهمون هذا النظام أصح فهم وأجودّه، وكأن العامل من عمالهم يعلم أنه إنما يسأل عن عمله بين يدي الله، وإنما يقوم به لمصلحة المسلمين لا لرضاء أمير المؤمنين، وقد يبالغون في ذلك حتى أن مُعاذ بن أيمن يقدم المدينة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقول له أبو بكر: ارفع حسابك. فيقول: أحسابان: حساب من الله وحساب منكم؟ والله لا ألي لكم عملاً أبداً
ويطلب أمير المؤمنين عثمان من خازنه مالاً، فيأباه عليه.
فيقول:(إنما أنت خازن لنا، إذا أعطيناك فخذ، وإذا سكتنا عنك فاسكت)
فيقول الخازن لأمير المؤمنين:(ما أنا لك بخازن، ولا لأهل بيتك، إنما أنا خازن المسلمين: ثم يجيء يوم الجمعة وأمير المؤمنين يخطب فيقول (أيها الناس: زعم عثمان أني خازن له ولأهل بيته، وإنما كنت خازناً للمسلمين، وهذه مفاتيح بيت مالكم) ويرمي بها. . .
هذا هو تاريخ المعجزة التي جاء بها سيد العالمين محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا هو تاريخ الإنسانية الكاملة، تاريخ المسلمين الأولين، خلاصة البشرية. فطالعوه يا شبان المسلمين، وتدارسوه، واسعوا لتكتبوا هذا التاريخ مرة ثانية على صفحة الحياة. . . وتقولوا للعالم بأفعالكم لا بأقوالكم: نحن أبناء أولئك الآباء. . . .