أموالها ابتزازاً، وتمتصون دماءها امتصاصاً، وتمدون أيديكم إلى كل خير فيها
هكذا كانت فتوحنا وهذه فتوحكم:
مَلكْناَ فكانَ العْدَلُ مِنَّا سَجِيَّةً ... فلمَّا مَلَكْتُمْ سَالَ بالدَّمِ أَبْطَحُ
وَحَلَّلْتُمُ قَتْلَ الأسُارى وَطالَما ... غَدَوْنَا عَلَى الأَسْرى نَمُنُّ وَنَصفَح
فَحَسْبُكُم هذَا التَّفَاوُتُ بَيْنَنَا ... فَكُلُّ إِنَاءٍ بالَّذِيِ فِيهِ يَنْضَحُ
ولم يظهر سر الإسلام في الفتوح، وفي الخلفاء والأمراء فقط، بل لقد ظهر في المسلمين جميعاً، فجعل من نفوس النساء والعجائز والأطفال مناراً يهتدي به الناس، ومثلاً أعلى للنفوس الكبيرة، حتى أن أبا بكر ليقسم مالاً بين النساء، ويبعث إلى عجوز من بني النجار بقسمها من هذا المال، مع زيد بن ثابت فتقول:
- ما هذا؟ - فيقول: مال قسمه أبو بكر بين النساء
- فتقول: أترشونني عن ديني - فيقول: لا
- فتقول: أتخافون أن أدع ما أنا عليه؟ - فيقول: لا
- فتقول: والله لا آخذ منه شيئاً
لا تأخذ منه شيئاً، لأنها لم تسلم رغبة ولا رهبة، ولكنها أسلمت لله، فهي تبتغي ما عند الله
لا تأخذ منه شيئاً، لأنها لا تحب أن يدخل بينها وبين ربها فيشغلها عن الإخلاص لدينها، ويطمعها المال في المال، فتزيد في العبادة، وتبالغ في التدين، فتكون كأنما تعبدت للمال، وعقيدة التوحيد، التي استقرت في نفس هذه العجوز، كما استقرت في كبار الصحابة وعلمائهم، تدفعها إلى أن تعمل لله وحده، وتسأل الله وحده، وتؤمن بالله وحده
وتجتمع فئة من المسلين معارضة تريد أن تستأثر بالحكم، لأنها ترى لها فيه حقاً، ولا تقبل في ذلك هوادة، ثم يأتيها ثلاثة رجال من الفئة التي تعارضها، وتجتمع لتناوئها، فترجع عما اعتزمته بكلمة واحدة تبصر فيها ضياء الحق
قال عمر للأنصار يوم السقيفة:
- ألستم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم أبا بكر للصلاة؟
- قالوا بلى
- قال: فآيكم تطيب نفسه أن يتقدم من قدمه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟