فلولا أدركتني أمه، لوجب علي أن أغرق تحت عينه.
وهكذا إلى أخر ذلك إن كان لما يتقاضاني آخر يعرف
فقالت لي نفسي: (اسمع يا مازني. انك قليل العقل، ما في هذا شك)
قلت: (أشكرك. فهل تسمحين أن تبيني السبب؟)
قالت: (نعم. هذا أنت تخلو بي، لتنظم شعراً، فبدلاً من أن تتناول القلم وتكتب، تذهب تتمثل ما يدور بينك وبين أولادك، فتضيع الوقت في غير طائل ولا تصنع شيئاً. فإذا لم تكن هذه قلة عقل فانه يسرني أن أعرف ماذا هي؟)
قلت وأنا مغيظ: (استدراك! إني لا أخلو بك لأقول الشعر، أعني أنك - ولا مؤاخذة - ليت الباعث على قول الشعر)
قالت: (لا تكن قليل الذوق أيضاَ!)
قلت: (إنها الصراحة والحق، لا قلة الذوق. ثم إنك مخطئة. فأني لم أدخل هذه الغرفة لأنظم شعراً، بل إني اشتهيت هذا، فأنا أريد أن اهتدي إلى الوسيلة التي تعينني عليه)
قالت: (الوسيلة؟ أية وسيلة؟ تناول القلم واكتب!)
قلت: (يا سلام؟ ما اذكاك! لو كان هذا كل ما يتطلبه قول الشعر لما عجز أحد عنه)
قلت: (أذن ماذا تبتغي؟)
قلت: (اسمعي أقل لك. . . إني اصفيتُ، أو على الأصح انقطعت عن النظم لأنك خلية، فأنا أريد الآن أن أشجوك، أعني أن أملأك)
قالت: (كيف؟ فإني غير فاهمة؟)
قلت: (لك العذر، فقد صرت كالصحراء، التي نسيت الماء من طول ما انحبس عنها)
قالت: (ألا تقول وتوجز؟)
قلت: (إذن أقول إني أريد أن يعمر قلبي الخرب، وبعبارة أخرى أقرب إلى فهمك الكليل، أريد أن أحب)
قالت: (تريد؟ هه؟)
قلت: (أه أريد! وأي غرابة في ذلك؟)
قالت: (لا فائدة من الخلاف فانك مكابر، وماذا تنوي أن تصنع؟)