بكر وفارسها وشاعرها، وبسطام بن قيس فارس بني شيبان، وأبو فَيْد عمرو بن الحرث السدوسي، والحرث بن عباد فارس النعامة وفارس ربيعة وشاعرها. وجلس جساس مطرقاً ينكت الأرض يعود في يده والقوم ينظرون إليه وينظر إليهم في حيرة ووجوم
قال بسطام:(ما بالك يا جساس تحبس النفس على الأذى، وأنت فينا تنظر يمنة فلا تجد إلا فارساً مغواراً، أو أسداً كراراً، وتنظر يسرة فلا تجد إلا بصيراً في الرأي، أو نصيراً في الشدة؟)
قال جساس:(أعلم ذلك. وأعلم أنه لا يدفع الهون ولا يرد البلاء إلا سفك الدماء) قال همام بن مرة. (إنه كذلك. .)
قال أبو فيد:(أما الهون فقد لحق بكراً حتى أذلها، وأما البلاء فقد وقع ماله من دافع. وأما الصبر عليه فأمر يرجع إليكم ويعود عليكم، ولست أدري إن كنتم لكليب وتغلب أكفاء في القتال، ولكني أعلم أنكم لا تقلون عنهم في الشرف، ولستم دونهم في المنزلة، فان كنتم على هذا تصبرون، فقد رضيتم من العيش بالدون، وإن أحمسكم الذل وقام رجالكم للحرب يؤرجون فإني بريء مما تفعلون)
فنهض الحرث بن عباد، والفند الزماني مغضبين وقد هم أحدهما بأبي فيد يعصر عنقه وقالا أو قال أحدهما:(ثكلتك أمك يا رسول الوقيعة، تحمس الرجل وتستثيره، وتنغل بينه وبين القوم ثم تقول إني بريء مما تفعلون؟ لشد ما أمعنت في الوقيعة والسعاية، ولعمري ما مؤرج الحرب إن قامت إلا أنت. قم لادر ضرعك)
وفر ابو فيد لا يلوي على شيء
(وأنت يا جساس أصلح من شأنك، وهون عليك بأسك، واستشعر الحكمة، واستلهم الصواب، ولا تبرم الرأي إلا بعد التدبير، ولا تعقد العزم إلا بعد التفكير؛ ولك من رعاية الله خير معين ونصير)
وانفض مجلس القوم، ودخل جساس إلى فناء البسوس واجماً مطرقاً
قالت البسوس:(هون عليك فالخطب أيسر مما ترى، ولعل الخير في الأناة، قم فلقد رثأت لك لبناً يفثأ غضبك)
قال:(ما بي حاجة إلى الشراب) قالت: (هو لبن احتلبته من سراب ناقة سعد وقد