اليابسة؛ عليها ورقُها الجاف ليس في بقائه ولا سقوطه طائل
ما أصبحتُ ولا أمسيت منذ حفظتُ تفسير الآية إلا في حياة منها، وهذه الآية هي دلَّتْني بمعانيها أن ليس الحياةُ الأرضيةُ شيئاً إلا ثورةَ الحي على ظُلْمِ نفسه، يَستكفُّ عنها أكثر مما يَسْتَجرُّ لها؛ والناسُ من شقائهم على العكس يستجرون أكثر ما يستكفون، وإنما السعيدُ مَن وجد كلمات روحانية إلهية يعيشُ قلبه فيهن، فذاك لا يعمل أعماله كما يأتي ويتفق، بل يحذو على أصل ثابت في نفسه، ويختار فيما يعمل أحسنَ ما يعمل؛ ومِن ثم لا يكون جهادُه مُرَاغمةً أو خضوعاً في سبيل الوجود كالحيوان، بل في سبيل صحة وجوده؛ ولا يكون غرضه أن يلابس الحياةَ كما تأخذه هي وتدعه، بل أن يحيا في شرف الحياة على ما يأخذها هو ويَدَعُها
إن الشقاء في هذه الدنيا إنما يجره على الانسان أن يعمل في دفع الأحزان عن نفسه بمقارَفَتِه الشهوات وباحساسه غرورَ القلب؛ وبهذا يُبعد الأحزان ليجلبها على نفسه في صورٍ أخرى!
قال الشيخ: وكان مما حفته من تفسير الحسن قوله: إن كل كلمة في الآية تكاد تكون آية، وليست الكلمةُ في القرآن كما تكون في غيره، بل السمو فيها على الكلام، أنها تحمل معنىً وتومئ إلى معنىً وتستنبعُ معنى؛ وهذا ما ليس في الطاقة البشرية، وهو الدليل على أنه (كِتَابٌ أُحِكَمتُ آياتهُ ثم فُصِّلَتْ)
يقول الله تعالى:(ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبُهم لذكر الله وما نزل من الحق)
(ألم يأن) هذه الكلمة حثٌ، وإطماعٌ، وجدالٌ، وحُجة؛ وهي في الآية تُصرخ أن خشوع القلب الذي تلك صفته هو كمال الدين للايمان، وأن وقت هذا الخشوع هو كمالُ العمر وكيف يعرف المؤمنُ أنه (سيأنى) له أن يعيش ساعة او ما دونها؟
إذَنْ فالكلمةُ صارخةٌ تقول: الآنَ الآنَ قبل ألا يكون آن.
أيْ: البدَارَ البدَارَ ما دمتَ في نَفَسٍ من العمر؛ فان لحظة بعد (الآن) لا يضمنها الحي. وإذا فني وقتُ الانسان انتهى زمنُ عمله فبقى الأبد كله على ما هو؛ ومعنى هذا أن الأبد للمؤمن الذي يدرك الحقيقة، إنْ هو إلا اللحظةُ الراهنة من عمره التي هي (الآن). لأنظر - ريحك - وقد جُعِلَ الأبد في يدك؛ انظر كيف تصنع به؟