للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وزاده ضنكا وسوء حال انصرافه إلى حية الأدب المحصن، واضطراره إلى أن يستكفي غيره النظر في شئون ارضه. ويظهر أثر تلك الحال واضحاً قي ترديده في شعره الشكوى من الفاقة وتنكر الزمان.

وقد اضطر آخر الأمر إلى مسألة أصدقائه، فأعانه منهم نفر كرام النفوس أوفياء القلوب، كافأهم عن صنيعهم بأن نوه بذكرهم في الشاهنامة. والحق أن الفردوسي، وقد فقد الانتفاع بأرضه أصبح يرى أن من حقه على الناس أن يكافئوه على جهوده الأدبية بمال يزوج منه ابنته الوحيدة، ويفق منه على نفسه في شيخوخته.

وطفق لذلك يبحث عن أمير نبيل او ملك جليل يهدي إليه الشاهنامة فيجيزه عنها بجائزة تحقق أمنيته، وسرعان ما وجد ذلك الملك الجليل في شخص السلطان محمود الغزنوي.

والسلطان محمود الغزنوي أوحد ملوك الاسلام لذلك العهد، واحد أبطال التاريخ الاسلامي على الإطلاق. قد شاد بعزمه وهمته ملكاً عريضاً وسع الهندستان، وخراسان وتركستان، وطبرستان، وفارس. وأصبحت قاعدته (غزته) بمساجدها ومدارسها وخزائن كتبها وعلمائها الأعلام من أمهات المدن الاسلامية. ويقال إنه يجتمع قط في مدينة أسيوية في وقت واحد من أعيان الأدب وأقطاب العلم والفلسفة مثل من اجتمع بغزته على عهد السلطان محمود. ذلك بأن السلطان كان شغوفاً بالعلم والأدب، حريصاً على اجتذاب العلماء من مختلف البلدان الاسلامية ليقيمهم بحضرته، فيزدان بهم بلاطه، وتكون له من قربهم شهرة أدبية تضاف إلى شهرته الحربية التي طبقت الآفاق. ومن العلماء الذين حفلت بهم غزته على عهد، البيروني والعتبي المؤرخان، والفارابي الفيلسوف، وأبو الفتح البستي الشاعر العربي، والمسجدي والعنصري والفرخي، وكلهم من سباق شعراء الفرس في الاسلام. وكان الرئيس أبو علي بن سينا قد قصد حضرة السلطان ثم بداله فعدل عنها إلى جهة أخرى.

وكان السلطان كلما فرغ من حرب وأقام بعاصمته متودعاً، جلس إلى أولئك العلماء يحدثهم أو يستمع إلى حديثهم، وهو في تصيده العلماء ومباهاته بهم يذكرنا بسيف الدولة الحمداني، والحكم المستنصر الأندلسي، وبفردريك الأكبر ملك بروسيا، ولويس الرابع عشر ملك فرنسا

ذلك هو الملك الجليل الذي رآه الفردوسي مهوى فؤاده ومحط آماله. فأخذ يعد العدة لانتجاع

<<  <  ج:
ص:  >  >>