ونزل على أميره سلطان الدولة البويهي. ونظم له قصة (يوسف وزليخا) وهي من قصص القرآن الكريم.
والفردوسي يصرح في صدر هذه القصة بأنه نظمها تكفيراً عن إضاعته عمره في نظم الشاهنامة، التي حشوها أساطير الفرس الأولين، ولكن يظهر أن الفردوسي أراد بنظم تلك القصة أن يلائم بين نفسه وبين البيئة العربية التي أدى به تطوافه إليها
ومهما يكن من شيء، فلا شك أن الفردوسي رأى نفسه غريباً بالعراق، وأن سراج حياته يوشك أن ينطفئ، وأحب ان يوافيه أجله في مسقط رأسه، قريباً من ابنته ووسط أهله ومعشره، وهون الخطب عليه أن السلطان كان قد ذهب عنه غضبه عليه، وأن أمره كان قد نسى أو تنوسي ببلاط غزنه. فخرج من العراق شاخصاً نحو طوس، فبلغها شيخاً فانياً مهدود القوى قد جاوز الثمانين
وتذكره السلطان محمود في ذلك الوقت، وذلك أنه كان راجعاً من الهند الى عاصمة ملكه، فعرض له ثائر في قلعة حصينة، فأرسل السلطان الى الثائر رسولاُ أن (إيت غدا، وقدم الطاعة واخدم حضرتنا، والبس التشريف، وارجع) فلما كان الغد ركب السلطان والى جانبه وزيره أحمد بن الحسن الميمندي. فلما بصر السلطان بالرسول مقبلاً قال للوزير (ترى ماذا يجعل من الجواب؟) فتمثل الوزير ببيت من الشاهنامة معناه (إذا لم يكن الجواب كما أريد، فأنا والجرز والميدان وافراسياب) فقال السلطان (لمن هذا البيت الذي تنبعث الشجاعة منه؟) قال (للمسكين أبي القاسم الفردوسي الذي أحتمل العناء خمساً وعشرين سنة وما جني أية ثمرة) قال السلطان (أحسنت بما ذكرتني، إني ليحزنني أن يحرم عطائي هذا الرجل الحر، ذكرني في غزنة لأرسل اليه شيئاً) فلما قدم الوزير غزنة ذكر السلطان، فقال السلطان (مر لأبي القاسم بستين ألف دينار بعطايا نيلجا، ويجحمل على الإبل السلطانية، ويعتذر اليه)
غير أن القدر الساخر شاء ألا تنفذ مشيئة السلطان، فيقال إنه عندما وصلت الابل التي تحمل الهدية إلى طوس، كان الفردوسي قد أسلم الروح (٤١١هـ)، وإنه بينما الابل داخلة من بعض أبواب المدينة، كانت جنازة الشاعر خارجة من باب آخر
وأراد رسل السلطان أن يدفعوا الهدايا الى ابنة الفردوسي، ولكنها اعتذرت من عدم قبولها.