على الأدب لا يجد قوت يومه إن لم يكن له مورد سهل، ويضطر إلى التقرب إلى مَوْليَ يمتدحه ويفوز بأعطيته؛ وقد كان هذا من دواعي استطالة هذه الظاهرة في الأدب العربي: ظاهرة المدح التي سرعان ما تلاشت من الأدب الإنجليزي
والقليلون من أعلام الأدب العربي الذين شاركوا في الحياة العملية إنما صنعوا ذلك جرياً وراء مطامعهم الشخصية لا دفاعاً عن مصالح أقوامهم؛ ولذا كان أقصى همهم أن يستوزروا للحكام، ولم يدر بخلدهم مناقشة سياسة أولئك الحكام، وإنما ظلوا أبواقاً لهم وكتبه مجيدين؛ ومن ثم كان ما يتصل بالسياسة من ذخائر الأدب العربي هو الرسالة الديوانية التي دبجها أولئك المنشئون على لسان أمرائهم
والمجيدون من أعلام الأدب العربي الذين ساهموا في حياة العمل بمناهضة السلطة القائمة كقطري بن الفجاءة مثلاً قلائل، وكان جلهم في صدر الاسلام، ومن لم يفعل ذلك منهم طلباً لغاية شخصية فعلة لعقيدته الدينية حين كانت العقائد الدينية مضطرمة في الصدور
لقد كان الشعر والخطابة في الجاهلية أداتين من أدوات الحياة العملية والسياسية في ذلك المجتمع البدوي، فلما جاء الاسلام كان في أصوله شورياً يخول الرعية مشاورة راعيها، ولكن دولته قامت على بقايا الملكيات المستبدة القديمة، فقامت الخلافة العربية على غرار تلك الملكيات التي تجمع الأمر كله بيدها، ولم يعد الخليفة يشاور إذا هو شاور رعياً لحق عليه بل التماساً للرأي إن أعوزه، ولا هو كان ملزماً باتباع مشورة غيره؛ وصار من المسلم به أن الحكم لأمير لا دخل للرعية فيه. ويدهى أن الأدب الذي ينمو في مثل هذه الظروف يظل مكفوفاً عن شؤون السياسة كما كانت بقية الرعية مكفوفة، فهذا سبب انعزال الأدب العربي عن السياسة
فالأدباء ممثلو أممهم: ففي انجلترا حيث كان الدستور والحياة النيابية هما العقيدة التي يدين بهال الشعب شارك الأدباء كما شارك غيرهم من أفراد الشعب في الحياة السياسية وتوطيد أركان الحرية، وفي الأقطار العربية حيث كانت الملكية المطلقة هي القاعدة أحجم الأدباء عن غمار السياسة كما كان بقية الشعب محجماً
ولقد خفق من وطأة الحكومة المطلقة على الأدب أن أكثر الخلفاء والأمراء كانوا أدباء او عشاقاً للأدب، وانوا جميعاً يقربون رجال الأدب ويغدقون عليهم؛ على أن هذه الحالة كانت