فينيسيا إلى روما، لأن البنزين، كان قد نفد حتى آخر قطرة.
ذهب السائق يبحث عن القليل من هذا السائل الثمين، وأخذ (سيريني) يطوف هذه القرية، فأتم طوافها في وقت قصير.
وفي الواقع (وهذا ما يدلنا دلالة واضحة على أن أحلامنا بعيدة كل البعد عن الحقيقة!) لم تقع أبصار (سيريني) على ما يذكره بحديقة (ميدسيس) أو شعر (بوليثيان)!
وداعاً أيها الحلم المعسول! حلم (ميدسيس) وقد زخرت بحسان النهضة الفاتنات!. . . ليس في (بونتاسياف) كلها أثر للخضرة بله المروج.
وداعاً أيتها الأصداء الشجية، التي تردد أنغام قصائد (بوليثيان) الرائعة، ليس في (بونتاسياف) الغارقة في قيلولتها الصيفية غير نغمة واحدة: بكاء طفل، متواصل، ملح، مزعج يبعث على السأم والضجر، تنفجر قنابله من حانوت صغير في مؤخر قهوة القرية الحقيرة.
وهذه القهوة، دخلها (سيريني)، ليدخن بضع لفائف، ويكتب عدداً من البطاقات البريدية إلى أصدقائه، فلما أتم ذلك كان الملل قد أستبد به، واستولى ولم يرقه قط أن يبصر السائق يعود في هذه اللحظة ويداه فارغتان. إن العثور على لتر من إكسير الحياة لأسهل بكثير من إيجاد قطرة بنزين في هذه القرية المتواضعة. . .! والحاجة كالقانون، تملي إرادتها إملاء وتفرض مشيئتها فرضاً لابد من إيجاد قليل من البنزين، مهما كلف الأمر، فليعد السائق، وليبحث عن هذا السائل الثمين.
يضجر (سيريني!) فيترك سيارته تنعم في ظل بيت صغير، هو أجمل البيوت، ويخرج إلى الساحة الكبرى حيث الشمس تذهب كل ما فيها وتلهبه، ويعود بعد قليل إلى سيارته ففيها على الأقل يستطيع أن يأخذ نصيبه من الراحة، فليتمدد فيها، وليرغم نفسه على أن ترضى بما لاتريد، وليتغنى بقطعة شعرية للشاعر (بوليثيان) وليهدئ من حركاته لعل الرقاد يلبي نداءه.
وأنه لكذلك، وإذا مصراع نافذة فوق رأسه يفتح، وتطل عليه مخلوقة فاتنة. . . تقابلت نظراتهما، فأحدثت في كل منهما ما تحدثه عادة، نظرات الرجل في المرأة والمرأة في الرجل. . وأخذت العيون تبحث عن العيون من طرف خفي حتى إذا تقابلت ازورت، وإذا