الطبيعة الانسانية - الناحية الجسدية والناحية المعنوية - ثم السمو بهما الى أقصى ما يمكن من الطهر والنقاء. وما السبيل الى ذلك إلا بنبذ كل ما لا أساس له من الحق والصدق، وفي مقدمة ذل بالطبع كل ما يرغمنا عليه المجتمع.
ولقد استخدم جيد في البداية عبقريته كناقد فذ في تبرير حقه في الانطلق والتمتع بالحياة وفي (الحب الذي لا يجرؤ أن يقول اسمه) على أنه فيما بعد صرف همه الى العناية الشاملة بكل تقاليد المجتمع وحقائقه الفارغة وأوهامه لكي يعمد بعد ذلك الى تنقيحها في نظم التربية ويفصح مظاهر الرياء بين الطبقات والوسطى الى غير ذلك مما يراه من المفاسد الاجتماعية التي تقف حائلاً بين الانسان وبين حريته التامة.
ولقد كانت (فردية) اندريه جيد سبباً في ان يبقى حتى الثامنة والخمسين من عمره بعيداً كل البعد عن الاهتمام بالمصلحة العامة او الايمان بعقيدة سياسية او اجتماعية على اعتبار ان الاصغاء لافكار الغير يحد او يغير من افكار الانسان الخاصة التي يجب ان تكون بعيدة عن كل تأثير خارجي. واندريه جيد في عزلته السياسية والاجتماعية كان يخالف تماماً كثيراً من أعاظم الكتاب الفرنسيين المعاصرين مثل اناتول فرانس وشارل موراس وموريس باريس وشارل بيجوي ورومان رولان وغيرهم.
على ان جيد بعد رحلته الى الكونغو واواسط افريقيا خرج مرة واحدة من دائرته الخاصة الى دائرة المجتمع الانساني بأجمعه. يفكر في ظروف الحياة فيه بعين نقيض بالرحمة الواسعة والحنان العظيم حتى ان المرء ليحس بأنه قد نسى نفسه ولم يعد يفكر الا في الآخرين!
وفي كتابيه ونرى جيد يدافع عن الأمم المستعمرة لا بمهاجمة فكة الاستعمار نفسها ولكن بالمطالبة بحق إيثار هذه الأمم في التقدم المطرد في جميع شؤون حياتهم وبتسفيه كل استعمار ينتهك حرمة هذه الحقوق المقدسة
ولكن هل بقي جيد عند هذا الحد من الاعتدال في تفكيره السياسي وهو الذي من دأبه السير إلى أقصى حدود التطرف؟ لا. إذ لم يكد ينقضي وقت يسير حتى رأينا جيد يرتمي في أحضان الشيوعية التي اعترف بأنه عند اعتناقها كان يجهل صميم نظرياتها، ولاش أن اعتناق جيد للشيوعية مخالفة تامة لأسس تفكيره السابق، لان جيد (الفردي) قد أصبح يؤمن