ومن جهة أخرى تحقيق كل مقتضيات النفس في الالتجاء إلى قوة عُليا.
ولا شك أن رأي جيد هذا لا يتفق مع عقيدة دينية، ولكنه في صميمه وَحْي طابعه الديني الذي لم يستطع التخلص منه فأراد التوفيق بين إحساسه الديني ومذهبه الفكري في التحرر الأخلاقي
وفي العبارة الآتية يعترف لنا جيد ان هذه الناحية من تفيره كانت خلاصاً وتبريراً لما اوقعته فيه مشكلته النفسية. يقول:(أما فيما يتعلق بي فقد قلت مراراً كيف أن الظروف وما تتجه إليه طبيتي كانت تدعوني إلى التفرقة بين الحب واللذة لدرجة أنه كانت تؤلمني فكرة المزج بينهما) ثم يقول لقد فصلت أنا أيضاً بين اللذة والحب، بل إن هذا الفصل بين الأثنين قد ظهر لي أنه كان لازماً. فاللذة أكثر نقاء والحب أعظم كمالاً
يرى جيد أن انطلاقنا وخضوعنا لمطالب أجسادنا إنما هو نوع من السذاجة والبراءة وأن اجابة الانسان لنداء طبيعته وغرائزه التي ولدت معه إنما هو خضوع لارادة الله.
وما الفرق عنده بين من يجري ميوله وشهواته لها وبين من يكبح بعضها إلا كالفرق بين (من يأكل كل شيء ومن لا يأكل غير الخضراوات)
ويقول جيد أيضاً:(ليس الانسان شيء غير طاهر) ' لذا كان ما تفيض به بيعة الانسان من ميول وشهوات لا يجب في نظره أن يحمل غير معنى الطهر والنقاء والاخلاص لأنفسنا فيجب أن نطيعها دون اختيار (لأن كل اختيار إنما هو تحديد لحريتنا)
على أن جيد يشترط لكل عاطفة تحركنا أن تكون مخلة لكي نطيعها ونجيب نداءها. ففي نسمعه يقول:(إن لذاتي لا تحجب وراءها فكرة خفية. لذا لا ينبغي أن يتبع هذه اللذات أي شعور بالندم) فهو يقصد بل أن يقول إن فكرة الحرية والانطلاق إذا استترت وراءها نية او غرض معين خرجت عن دائرة البراءة والاخلاص
وفي ضوء ما ذكرنا نرى أن فكرة أندريه جيد فكرة مزدوجة مضمونها:
أولاً: الناحية الجسدية الحيوانية في الانسان وهي الناحية البريئة الساذجة
ثانياً - الناحية المعنوية، وهي إما الناحية الخاصة بالاحساس الديني، وإما الناحية الشيطانية في الانسان
ففكرة جيد هي الفصل بين هاتين الناحيتين اللتين هما في الواقع حقيقتان من حقائق