وإن لك وأنت تتظاهرين بعدم النظر إلي، بينا أنت لا تنظرين إلا إليّ إن لكِ وأنت تتصنعين التحديق في الأفق البعيد، بينا أفقك الواسع ينحصر في المساحة الصغيرة التي تشغلها سيارتي، إن لك ابتسامة حزينة تفتر عنها شفتاك الرقيقتان اللتان لم تشعرا بلذعة القبل الملتهبة ولم تتمتما بالجمل المغرية!
أيتها الريفية الحزينة التي زوجت منذ عشرة أعوام بمن لا تريد: بشيخ البلد! بالطيب! بكاتب العدل! - أيتها المرأة الشقية التي ترتضي أن تقضى في هذا المنزل قبل أن تعرف الحياة، والتي ترتضي أن تخنق في مهدها الأحلام المعسولة التي يسرح في عوالمها قلبها الخفاق، وتحلق في أجوائها مخيلتها الوثابة، بعد أن رضعت الخيال من القصص والروايات.
أيتها الريفية الحزينة، التي تستطيع أن تجد الحب في جميع الكتب، ولا تتصور أنها تستطيع أن تجده في غير المدن! أيتها الريفية الحزينة التي تتحسر على ألا تفهم من الحياة غير واجبات الزوجية، وعواطف الأمومة والتي تتحدد آمالها كل يوم، وفي مثل هذه الساعة. عند غروب الشمس!
أيتها الريفية الحزينة التي تبحث من فتحة هذه النافذة عن قليل من الهواء، وقليل من الفضاء، وعن قطعة من السماء، تبصر فيها النجم يشعل زهرته المتلألئة!
أي مدام (بوفاري) أي حرقة تعتلج في صدرك عندما تدركين أن الأسفار الجميلة التي تحلمين بها، لن تتحقق منها غير هذه الوقفة الكئيبة التي تقفينها كل يوم، عند هذه النافذة! أي مدام (بوفاري)(بونتاسياف)! ما أروع حب الاستطلاع الذي تنم عنه عيناك! عيناك اللتان تنظران إلي، دون أن تتظاهرا بالنظر إلي! عيناك اللتان تتكلفان البحث في البعد عما لا أدري وهما لا تبحثان في الحقيقة إلا عني، أنا الجالس في هذه السيارة التي جاءت من حيث لا تدرين، والتي تتأهب لان تذهب
إلى حيث لا تدرين! أه! لو كان يستطيع رجل مثلي أن يقف هنا، أو لو كنت تستطيعين أن تنزلي إليه وتركبي إلى جانبه في هذه السيارة وأن تختفي معه هنالك حيث يلتوي الطريق عند تلك النقطة التي تمثل حد العالم الذي أذن لك أن تعرفيه حتى اليوم!
آه لو كنت تستطيعين أن تذهبي معه. وألا تعودي بعد اليوم. . . . . .!