فيمعنون في الأذى. ولعل الشاعر العربي كان في حالةٍ كتلك عند ما أرسل هذه الزفرة المنغومة التي هي من أبلغ ما أعرف في معناها:
عذيري من الإنسان، ما إن جفوتهُ ... صفالي، ولا إن صرتُ طوعَ يديه
وإني لمشتاقٌ إلى ظل صاحب ... يروقُ ويصفو إن كدرتُ عليه
يأس هذا الشاعر يدل على حاجته الضميمة إلى صداقة نقية غير مغرضة. فنحن مهما تنر لنا معنى الصداقة الصافي، ومهما غدر بنا الغادرون فعلمونا الحذر - فإننا لا نستطيع إنكار احتياجنا العميق إلى الصديق. لأن لدينا مرغمين كمية في المودة والوفاء والتسامح والغفران والتضحية لابد من تصريفها وإنفاقها لنزيد بالعطاء غنى. وعند من نصرفها وعلى من ننفقها إلا على الأشخاص الذين نراهم قمينين بأنبل ما عندنا من فكر، وأصدق ما لدينا من عاطفة؟
أيها الذين ربطت الحياةُ بينهم بروابط المودة والأخاء والتآلف الفكري والنبل الخلقي، حافظوا على صداقتكم تلك واقدروها قدرهاّ فالصداقة معينٌ على الآلام ومثارٌ للمسرات، وهي نور الحياة وخمرتها، وكم تكن من خير ثقافي وعلمي للنابهين!
لا تخافوا أن تكونوا من أهل الشذوذ والسذاجة في نظر المغرضين! ألا يئست نفسا فقدت كل سذاجة، وسارت على وتيرة واحدة، لا تعيش إلا للغرض وبالغرض! ما أفقرها وإن كانت ثرية! وما ألصقها بالثرى وإن كانت علية! وحسبكم أنتم أنكم بإيمانكم بالصداقة توجدون الصداقة، وبممارستكم أساليب الصداقة إنما تكونون خميرة الصفاء والصلاح والوفاء!