الأرض وإخلائها من الحجارة، وكانت أرض هذه الحديقة جَلْدَةً في مواضع كثيرة وفي بطنها حجارة غليظة مختلطة بطينها، فلا يخرج شيء مما يقع على هذه الجلاميد.
فكانت الشقراء تنبهني إلى ذلك وتعرفنيه. وكنت ربما تركت في الشتاء ما لا يبقى عليه أصله، وقلعت ما يُبيد الشتاء فرعه ويُبقي أرومته، فتصلح لي من خطئي ما يتيسر إصلاحه، ولم أكن أعرف الفرق بين ما يسمو من النبات صُعداً ويستغنى بنفسه، وما يحتاج، وهو يسمو، إلى ما يتعلق به ويرقي فيه، وما يتسطح على وجه الأرض، فأغرس الأعواد لما ينبت مفترشاً، وأدع ما يحتاج إلى التعلق بلا عصب، فكانت هي تعلمني وتقوم المعوج وتعالج ما أفسدت
ثم حدث ان شركة الماء وضعت لنا في البيت (عداداً) يحاسبنا على القطرات بعد أن كنا نأخذ بلا حساب، ولا ننقدها في الشهر إلا خمسة عشر قرشاً، فأرهقني هذا (العداد) وكلفني فوق ما أطيق، وصرت بين أمرين: إذا أبقيت على الحديقة جعت وتضورت، فان أرضها كثيرة الرمل يذهب فيها الماء ولا يبقي منه للنبات ما يكفيه، فحاجتها إلى السقي لا تنقضي. وإذا أنا ضننتُ بالماء ذهبت الحديقة. فشق على ذلك واشتد همي، وطال وجومي من جرائه. ورأت هي اغتمامي وسهومي فسألتني فأمضيت بشجني فقالت:
(احفر بئراً)
قلت:(ايه؟ أحفر بئراً؟)
قالت:(نعم. ماذا يمنع أن تفعل؟)
قلت:(يمنع أن هذه أرض مضرسة، حشوها حجارة ولا يمكن أن يكون في جوفها ماء)
قالت:(من أدراك؟ إني أعتقد أن في أرضك ماء غزيراً)
قلت:(أما الحرث والزرع فشيء عرفنا أن تعرفينه، وإن كنت لا أدري من أين جاءك هذا العلم، وأما الآبار وحفرها. .)
فقاطعتني وقالت:(أظنني أستطيع أن أدلك على موضع العين في هذه الأرض - غداً في النهار اختبر الأرض وأجسها)
وفي عصر اليوم التالي جاءت وفي يدها عود على هيئة اللام ألف، ولكن في ساقه، قبل موضع التشعب، طولاً وقالت: