للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

(أنظر. سأجس الأرض بهذا) ورفعته لعيني

فقلت: (وكيف تصنعين؟ إنه غصن لا أكثر)

قالت: (هو حسبي. وما أعرفه خذلني أو كذبني قط، ولكن عهدي بهذا الجس بعيد وأخشى أن أكون فقد فقدت القدرة على استنبائه)

قلت: (استنباؤه؟ أو يقول لك هذا الغصن أين منبع الماء في جوف الأرض؟)

قالت: (نعم، وسترى بعينك إذا وفقني الله)

وأقبلت على الأرض تجسها شبراً شبراً، وكانت تضع العود على الأرض كأنها تغرسه فيها بأصابعها وتنظر إلى شعبيته برهة، ثم ترفعه وتقدمه خطوة أو خطوتين، وهكذا يميناً وشمالاً، حتى رأيت إحدى الشعبتين تميل قليلاً فعجبت

فقالت: (هنا ماء ولكنه قليل)

ومضت تنقل العود من مكان إلى مكان حتى بلغت الجدار الآخر فقالت:

(يخيل إلي أني سأخفق)

فلم أقل شيئاً، وماذا عسى أن أقول؟ لقد تركتها تختبر الأرض وأنا كافر بها - أعني بالفتاة وقدرتها على الاهتداء إلى منابع الماء في بطن الأرض، ولكني قلت إنه لا بأس علي من ذلك، وحسبي أني أقضي معها ساعة أنعم فيها بحديثها وبالنظر إليها، ولكن انثناء العود إلى الأرض، من تلقاء نفسه، ومن غير أن يمسه شيء حيرني، وصرفني عن الفتاة وجمالها، إلى هذه الظاهرة الغريبة

وجعلت أقول لنفسي: (إذا كان كل ما يتطلبه الأمر أن يجيء الإنسان بمثل هذا العود ذي الشعبتين، وأن يركزه أو يغرسه في الأرض، فإذا كان هناك ماء انثنى وحده، فما أسهل ذلك!! وكيف غاب هذا عن الناس وفاتهم هذا العلم اليسير؟)

ولم أكتم هذا الذي دار بنفسي، فقالت بابتسام: (لا. إن المعول على اليد لا على العود)

ولم افهم شيئاً، ولكني سكت، فقد تجهمتْ، وطال سكوتها وتقطيبها، وثبت حملاقها، وبدت لي كأنها تعصر نفسها عصراً، ثم قالت:

(افتح هذا الباب)

وكان باب حجرة مهجورة في فناء البيت، نحبس فيها الدجاج، ففتحته فدخلت وقالت: (انزع

<<  <  ج:
ص:  >  >>