للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

هذا البلاط)

فأطعت، وتجشمت عناء شديداً، ولكني أمضيت لها مشيئتها، فحنت على الأرض، وأقامت العود في ترابها، وإذا بالشعبتين جميعاً - بعد هنيهة - تنثنيان على الأرض - عمودياً - حتى لخيل إلي أنهما ستقصفان

ونهضت، ومسحت العرق المتصبب، وقالت:

(هنا يجب أن تحفر. الماء غزير، ولكنه بعيد. وماذا يهم؟ ستجد فوق الكفاية من الماء)

ولم يخالجني شك في صدقها، فجئنا بعد أيام بالرجال، فحفروا ووسعوا، واحتجنا أن نهدم الجدار الذي فيه الباب فأتينا عليه، وانحدر الرجال الى أكثر من ستة أمتار، وقضوا في ذلك أياماً طويلة، حتى بلغ أحدهم حجراً فزحزحه بالمعول فأنبط الماء من تحته واستغنيت عن شركة الماء

وقلت للفتاة: (لماذا جشمت نفسك هذا العناء)

قالت: (هو جزاء المعروف)

قلت: (ليس إلا؟)

قالت: (وعز علي أن تضطر الى تضييع الحديقة)

قلت: (وماذا أيضاً؟)

قالت: (لا أدري ماذا أيضاً؟ غلبني شعوري)

قلت: (ليس في وسعي أن أجزيك. . .)

قالت تقاطعني: (لا تحاول!. . . حسبي أني أعدت الى وجهك الابتسام)

قلت: (اسمعي. إن الحديقة مدينة لك بحياتها، وأنا مدين لك بمعنى هذه الحياة، ولست أظنها تقوي على فراقك، ولا أنا يا فتاتي. . . . . .)

قالت: (لم أصنع شيئاً)

قلت: (أزخرت حياة كادت تجف وتذوي، فماذا يستطيع إنسان أكثر من هذا؟)

قالت: (كلا. كل ما صنعت أني وجدت ماء، وقد وجدته مائة مرة قبل اليوم، فلم أسمع مثل كلامك. . . . إنك تمزح ولاشك!)

قلت: (بل أنا جاد. لا غنى بي ولا بالحديقة عنك. . . فما قولك؟)

<<  <  ج:
ص:  >  >>