القصص ما يشغف القلب حسنه، ويسحر اللب بيانه. انظر كيف يعرض قصة قتل رستم ابنه سهراب على غير علم منه بأنه ابنه! تقول الشاهنامة:(. . . . ثم تناوشا الحرب، وتطاعنا حتى انتثرت كعوب رماحهما، فاستل كل واحد منهما سيفه، وتضاربا، وكأن النار تمطر من سيوفهما، ولم يزالا حتى تكسرت سيوفهما، فمدا أيديهما الى عموديهما، ورفعاهما، وجعلا يتضاربان ويتقارعان حتى تمزقت الأدراع الموضونة على أكتافهما، وتقطعت التجافيف على خيلهما، فضعفا، ووقف دوابهما، وبقيا من العرق غريقين، ومن العطش محترقين، فوقف الأب من جانب، والابن من جانب آخر، ينظر أحدهما الى الآخر. فيا عجبا! كيف انسدت دونهما أبواب التعارف، ولم تتحرك بينهما عروق التناسب؟ والأبل من غلظ أكبادها، تعطف على أولادها، والطيور في جو السماء، والحيتان في قعر الماء، لا تنكر أولادها وأفراخها! والإنسان من فرط حرصه تخفى عليه فلذة كبده ويستنكر قرة عينه ولا ينزع الى ولده!)
ثم يقول رستم:(لم أر قط قتالاً بهذه الصفة، ولقد انقطع رجائي من رجولتي) فإذا ما استأنفا القتال، قال سهراب لرستم وهو يجهل أنه أبوه:(إني أرى أن نخلع الجوشن، ونطرح السيف، ونكف عن القتال، فإن قلبي يميل كل الميل إليك، وإن وجهي ليغمره الحياء منك) ولكن يخيب رجاه، ويعود الأب وابنه الى المبارزة، فيتغلب الأب ويصرع ابنه، ويجثم على صدره، ثم يذبحه ذبحاً، ثم يتبين له، وقد سبق السيف العزل، أنه إنما ذبح ابنه، فيشق جيبه، ويضرب صدره، وينتف شعره، ويندب ولده، ويحاول استنقاذه من براثن الموت فيعجزه ذلك؛ ويموت سهراب، فتتقد لوعة الحزن في صدر رستم، ويصيح من فرط العذاب:(من الذي أصيب بمثل ما به أصبت؟ ومن الذي فجع بمثل ما به فجعت؟ قتلت ولدي حين شاب رأسي وانقضى عمري!)
إن القارئ ليتابع مشاهد هذه القصة وقلبه يتوثب في صدره فرقاً وذعراً. فإذا بلغ الى الكارثة الأخيرة فقد لا يملك دمعه أسى وحزناً، وهذا الذي قصد إليه الشاعر رغبة منه في أن يمكن فيه لعاطفتي الحنو والرحمة
ولا يقف الفردوسي عند هذا الحد من تطهير قلب قارئه، بل يجتهد في أن يروض من نفسه ويكبح من جماحها بأن يجلو لها تقلب هذه الدنيا، وتصرف أحوالها بالناس تصرفاً قد يسوء